يوم الاثنين الماضي تناول مجلس الشورى موضوعاً في غاية الأهمية بشأن التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة للعام المالي 1438ه/ 1439ه ومما لفت انتباهي هو الرقابة على برنامج استقطاب الكفاءات المتميزة لشغل الوظائف القيادية في الأجهزة الحكومية، حيث طالب المجلس الجهات الحكومية المستفيدة من البرنامج بالشفافية والإفصاح عن مؤهلات وخبرات المستقطبين ومميزاتهم الحالية.هذا الموضوع تكمن أهميته في أن له علاقة بالعدالة الوظيفية وأيضاً بالمحسوبية وهي المحاباة أو الواسطة كتفضيل الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء الدراسة.. إلخ، وهو أحد عناصر الفساد الإداري ونوع من الممارسة السلوكية الأنانية وعدم الإيمان بالشراكة الوطنية، وكذلك ممارسة التمييز الوظيفي، وهي من الأسباب التي قللت من مستوى النزاهة في المؤسسات الحكومية وأيضاً أضعفت الإنتاجية وزادت من إحباط الكفاءات لأنها تضع الشخص غير المناسب في المكان الذي لا يناسبه. وقد أقر مؤخراً مجلس الوزراء في شهر شعبان الماضي قواعد ممارسة مهمات وظائف وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين حيث نصت المادة الثامنة من تلك القواعد على أن تحدد الأجور والمكافآت والبدلات والمزايا الأخرى لممارسي مهمات وظائف وكلاء الوزارات، والمساعدين وفق آلية يتفق عليها وزير المالية والخدمة المدنية، وأن يكون هناك عقد موحد لهذا الغرض، وأن يخضع هؤلاء جميعاً لنظام العمل السعودي، وليس الخدمة المدنية للمزيد من المرونة في سلم الرواتب.. هذه الخطوة جيدة للمزيد من العدالة، وعدم هدر المال وخصوصاً ما يتعلق بالبنود السرية، ولكن هناك أكثر من التفافة على هذه الأنظمة عن طريق الشركات الحكومية التي خرجت عن دورها الذي أنشئت من أجله وتحولت إلى شركات توظيف، وهذا نوع من أنواع التستر الجديد وتشجيع المسؤولين على المزيد من التجاوزات وخلق بيئة وظيفية غير عادلة وغير متكافئة في الفرص والخبرات. اليوم فرضت علينا سلوكيات ومفاهيم في القطاع الحكومي ليس لها علاقة بالإنتاجية وأجندات محورها الكسب الشخصي، وليس المواطن والإنتاجية وعززت التعدي على المال العام وخلق حالة من جنون العظمة والغرور والإفراط في الثقة لدرجة أن أولئك تبنوا كذبة أن سعرهم في السوق هو ذلك السعر الباهظ الثمن.. وعلى ضوء هذه الضلالات والتخيلات المرضية أصبحوا متشككين ومرتابين من الكفاءات الوطنية المخلصة الذين يعملون معهم. اليوم بمثل ما تمت إعادة النظر في الرواتب الفلكية لابد من إعادة النظر في اختيار الكفاءات على أسس علمية ونفسية، وأن تخضع سيرهم الذاتية للتدقيق والتقليل من الناحية السلوكية والمعرفية والإنتاجية وسؤالهم: ما الأفكار والمشروعات والمبادرات التي سوف يتقدمون بها قبل توليهم لكي يمكن محاسبتهم وتقييم أدائهم وقدراتهم سنوياً؟