القدرة على الحب هبة من الله لبعض خلقه، نفوسهم جُبلت على ذلك، وقلوبهم به امتلأت، الأناني مثلا لا يستطيع أن يحب؛ لأنه غير قادر على العطاء، والمغرور لا يستطيع الحب؛ لأنه مزهو بنفسه مشغول بها، واللئيم لا يحب؛ لأن الحب سمو فوق قدراته، والقساة لا يحبون؛ لأن الحب رحمة. لذا خلق الله الحب لأولئك الأنقياء المتواضعين الأسخياء الرحماء، أما سواهم فهم واهمون. وقدر القلوب التي تحب بصدق أن يؤلمها الفقد.. فقد الأحبة عموما.. للفقد صدمة تُذهل العقل، ويضطرب منها الفؤاد.. ثم بعد صدمة الفقد الأولى يتسرب الحزن إلى أعمق زوايا النفس، ثم يصبح حارًا ثقيلًا حارقًا للقلب، حتى تظنه تفتت ألما بعد أن انفطر.. حينها تبكي الكلمات التي ذهبت، والكلمات التي بقيت بلا أمل أن تُقال، ثم ترى حزن الأيام الفارغة حتى منك، فما عادت نفسك بعد الفقد كما هي قبله... ثم حزن المواسم والذكريات، فإن أقبل عيد بكيت الفرح الذي كان به؛ وإن أقبل شتاء تذكرت التفاصيل، وهكذا يكبر الحزن ويكبر حتى يملأك، ومن حولك يظنونك نسيت ومضيت في الحياة، فيأتي حزن الوحدة والوحشة، ثم حزن السنوات الفارغة الذي يعصر القلب، حتى تظن أنك تعيش بلا قلب.. أو أنه احترق بلوعات الفقد فما عاد ينبض.. هذه المشاعر الموغلة في الأسى المتعمقة جذورها في ماء الحزن هي لقلوب رحيمة هشة، تحب بعمق، وتعطي بسخاء، وتتألم بصمت... اختصها الله بهذا الكم الهائل من الإنسانية.. وهبها الله رهافة حس ورقة شعور لا يدركه إلا أصحابها.. أما سمعتم يوما عمّن مات حزنا.. فقد كان يحمل أحد هذه القلوب... وما كان حزن يعقوب عليه السلام حتى ابيضت عيناه إلا مثالا لحزن الفقد.. خاطرة: وإني لأظنك تعيش بين جلدي وعظمي أو أنك تسكن حجرة أضلعي فما غبتَ عني هنيئة وما سكن عليك الوجدُ وكيف يغيب عني من هو حاضرٌ وكيف أنسى من ترى طيفه عيني اللهم أنزل رحماتك على قبور ضمت أحبتنا.. اللهم إنا استودعناك أرواحاً نحبها، مضت إليك، فاكتب لهم ولأموات المسلمين الجنة، واجمعنا بهم فيها.. برحمة منك ولطف وفضل.. آمين.