يفتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- اليوم أَعْمَال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، حيث يلقي -رَعَاهُ الله- خطاباً، يتضمن سياسة المملكة الدَّاخِلِيَّة والخارجية. ويأتي الخطاب الملكي هذه المرة ومجلس الشورى على مقربة من الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس وإقرار أول مجلس شورى في تاريخ المملكة العربية السعودية، وذلك حسب ما نشرت مجلة المجلس في تقرير لها، موثقة التجربة الثرية والعميقة للمملكة، منذ أنّ اجتمع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- في مكةالمكرمة بعامة المواطنين وأعيان البلد من علماء ومشائخ وأمراء عشائر وتجار ورجال أعمال، وأطياف عديدة من المجتمع، ليسمع منهم ويلقي على مسامعهم خطابه الأول. ورسم الملك المؤسس من خلال خطابه ملامح سياسته في إدارة الدولة، طالباً من الأهالي اختيار من يرون فيه الكفاءة والأهلية والقدرة على المساهمة في إدارة شؤون البلاد، والعمل على إيصال ما يحتاجونه وما يتطلعون إليه كمواطنين، لتسهيل سير الأعمال وتحقيق الطلبات والاحتياجات الملحة، ولرفع ما يتفقون عليه لإقراره واعتماده من قبله -طيب الله ثراه- حيث كان حرصه على تلبية مطالب المواطن وتحقيق متطلبات الوطن إحدى أهم أولوياته، وذلك من خلال خطابه الأول الذي ألقاه أمام جمع من المواطنين لاسيما أهالي مكةالمكرمة عام (1343ه) والتي شهدت أول مجلس شوري منتخب، عمل المؤسس من خلاله على تحديد منهجه ورسم سياسته في إدارة وتنظيم البلاد. خارطة الطريق عقب دخول الملك عبدالعزيز مكةالمكرمة، وإدراكه ما يعانيه البلد الحرام من مشكلات اقتصادية ونفاذ المؤن، شاور أهل الحل والعقد والرأي، ثم دعا إلى اجتماعٍ مع أهل مكة لمناقشة هذا الأمر، وألقى خطابه الأول الذي أوضح فيه خططه وتوجيهاته وسياسته لإدارة البلاد، فقال: نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو رب هذا البيت العتيق، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم، ها نحن أولاء بعد أن بلغنا حرم الله نوضح لكم الخطة، التي سنسير عليها في هذه الديار المقدسة، لتكون معلومة عند الجميع، فنقول: سيكون أكبر همنا تطهير هذه الديار المقدسة، وسنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة -بعد هذا- شورى بين المسلمين، وقد أبرقنا لكافة المسلمين في سائر الأنحاء، أن يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمرٍ إسلاميٍّ عام، يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة لإنفاذ حكم الله في هذه البلاد المطهرة، وإن مصدر التشريع والأحكام لا يكون إلا من كتاب الله، ومما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام، أو ما أقره علماء الإسلام الأعلام بطريق القياس، أو أجمعوا عليه مما ليس في كتاب ولا سنة، فلا يحل في هذه الديار غير ما أحله الله، ولا يحرم فيها غير ما حرمه". وأضاف: "كل من كان من العلماء في هذه الديار، أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين، ذوي راتبٍ معينٍ فهو له على ما كان عليه من قبل، إن لم نزده فلا ننقصه شيئًا، إلا رجلًا أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت في بيت مال المسلمين، أعطيناه حقه ولم ننقصه منه شيئًا، ولا كبير عندي إلا الضعيف، حتى آخذ الحق له، ولا ضعيف عندي إلا الظالم حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة ولا يقبل فيها شفاعة، فمن التزم حدود الله ولم يعتديها فأولئك من الآمنين، ومن عصى واعتدى فإنما إثمه على نفسه، ولا يلومن إلا نفسه، والله على ما نقول وكيل وشهيد، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم". اجتماع مكة وفي يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى عام (1343ه) تقرر الاجتماع الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز والذي تُلا فيه خطابه الشهير الذي حدد فيه دستور البلاد القائم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، مشدداً على ضرورة تطبيق منهج الشورى وفقاً للأسس الشرعية والذي تسير عليه البلاد كدولة إسلامية شورية يشترك أبناءها في إدارة ورسم شؤون بلادهم بما يتفق مع الكتاب والسنة، إلى أن انتهى هذا الاجتماع باتفاق شامل على انتخاب أعضاء مجلس الشورى الأهلي الذي أنيطت به مواد أساسية تراعي مصالح البلاد وقد استمر هذا المجلس قرابة ستة أشهر. وفي عام (1344ه) رغب الملك عبدالعزيز توسيع دائرة المجلس ليشمل عضوية ممثلين عن كل حارة من حارات مكةالمكرمة واثنان من العلماء وواحد من التجار بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء يعينهم الملك من أعيان البلد. قوة وعزم وشهد يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الثاني من عام (1372ه) حضور الملك سعود بن عبدالعزيز إلى مقر مجلس الشورى في مكةالمكرمة ليلقي بالنيابة عن والده الملك عبدالعزيز، الخطاب السنوي وسط أروقة مجلس الشورى، والذي جاء مع باكورة عمل الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الذي زيد عدد أعضائه إلى (20 عضواً) حيث ألقى سموه الخطاب الملكي الذي جاء فيه: "إنكم تشاطروننا الرأي في أن الإصلاح عملٌ شاقٌّ، وطريقه وعر المسالك، يتطلب جهودًا متواصلة، وعيونًا ساهرة، وتضافرًا صادقًا من مختلف طبقات الشعب؛ حتى يؤتي ثمره فيعم الخيرة، غير أننا جادون في تحقيقه، متوكلون على الله، مستمدون الإرشاد من جلالة مولانا الملك المعظم حرسه الله، واثقون من إخلاصكم ومؤازرتكم، وسنذلل بإذن الله تعالى، ما نلاقيه في طريقنا من صعابٍ بقوةٍ وعزم، فركب الإصلاح ماضٍ في طريقه، وعجلة الإنشاء تحطم، بعون الله، كل العقبات، ونحن واثقون إن شاء الله من بلوغ المرام، ما دام رائدنا النية الحسنة، والإخلاص في خدمة الوطن، لرفعة شأنه وإيصال أمتنا إلى المكان الجدير بماضيها وأمجادها، والخليق بمنزلتها الرفيع بين الأمم". وأضاف: "إن جلالة مولانا الملك المعظم، رعاه الله، ونحن على استعداد في كل وقتٍ لقبول أي مشتكٍ، وسماع شكواه. ونريد أن يشعر كل مواطنٍ بحفظ حقوقه، ولا نريد أن يمسّ بكرامته، فلا سبيل لأحدٍ على الآخر إلا في حدود الشرع، ولا فرق أمامه بين الكبير والصغير، والغني والفقير، ولا يفوتنا أن نؤكد للجميع أن على كل موظفٍ أن ينجز قضية المواطنين، وكافة ذوي الحقوق بأسرع ما يمكن، ضمن أحكام الشرع والنظام، وليس له أن يماطلهم أو أن يهينهم". تلافي التقصير وكان للملك فيصل حضوره الدائم في أروقة مجلس الشورى، لاسيما في عهد والده، وقد حفظ لنا التاريخ عدداً من خطاباته الشهيرة داخل أروقة المجلس، والتي لا شك أنها كانت امتداد لسياسة والده في إدارة البلاد، ففي يوم الثلاثاء العاشر من شهر صفر عام (1370ه) ألقى الخطاب السنوي، نيابة عن والده بمناسبة افتتاح الدورة الحادية والعشرين التي كان عدد أعضائها (13 عضواً) والتي أكد من خلالها الفيصل على إعادة الهيكلة والتنظيمات الخاصة بأمور الحج والحجاج، مع ضرورة تقديم الأفضل لحجاج بيت الله. كما أكد على الدوائر المختصة بضرورة الحرص على ما من شأنه خدمة الوطن والمواطن، مشدداً على ضرورة مراقبة الأسعار والحرص على التعاون ونبذ الاتكالية، حيث قال: "يجوز أن يكون هناك بعض التقصير أو الأغلاط، تحدث عن حسن النية، ولكن الشيء الذي نرمي إليه، هو الإخلاص في الأعمال، والدأب على تأدية الواجبات، وذلك كله بعون الله تعالى، ثم بحسن توجيهات صاحب الجلالة الملك المعظم، ومن الأشياء التي اعتزمت عملها في هذا العام إجابة للرغبات التي تلقتها من المواطنين والوفود، هو إعادة النظر في التنظيمات والتشكيلات الخاصة بالحج والحجاج، وهذا طبعًا يشمل كثيرًا مما ورد في خطاب الخطيب من الشؤون الصحية والإدارية والمواصلات، وتوفير أسباب الراحة التي يشترك فيها الساكنون والضيوف". وأضاف: "برجاء اهتمام الدوائر المختصة فيما يتعلق بها من الشؤون، والإسراع في إتمام ما يمكن إتمامه منها، وتلافي القصور والتكاسل، وما أظن أحدًا يألو جهدًا في تحقيق هذه الرغبة. وفي الوقت الذي نرحب فيه كحكومة بملاحظات المجلس التي مصدرها الإخلاص والرغبة في إعطاء كل شيء حقه، في هذا الوقت نرجو من المجلس أن يكون قدوة حسنة في هذا السبيل، وأن يهتم بجميع الأعمال، ولاشك أنه قائمٌ بالقسط الوافر منها، وإنما في بعض الأوقات أسمع ملاحظات بتأخر بعض الأعمال لدى المجلس، وهذا طبعًا ليس بقصد من المجلس، وإنما لظروفٍ تؤدي إلى ذلك". بنيان جديد وأوجد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز البنيان الجديد لمجلس الشورى، حيث حرص على تحديث وتطوير نظام المجلس السابق ليصدر الأمر الملكي بنظام مجلس الشورى ذي الرقم أ/91 وتاريخ 27/8/1412ه بثلاثين مادة، وفي خطابه الشهير لافتتاح السنة الأولى من الدورة الأولى التي شهدت عضوية (60 عضواً) تم اختيارهم من بين عدد من النخب وقد بدأ خادم الحرمين الشريفين بحمد الله على نعمه الكثيرة التي لا تحصى، وأولها الإسلام ثم تحدث -رحمه الله- عن استمرار الوفاء للإسلام -عقيدة وشريعة- في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي بنى المملكة العربية السعودية ووحدها على ذات النهج، فقد حرص على إنفاذ منهج الإسلام في الحكم والمجتمع مهما كانت الصعوبات والتحديات، ويتلخص هذه المنهج في إقامة المملكة العربية السعودية على عددٍ من الركائز تعتبر من الأصول الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية. وبعدها أورد ذكر أجهزة الدولة التي تسير في الوقت الراهن وفق أنظمةٍ منبثقةٍ من شريعة الإسلام ومضبوطة بضوابطها، ومنها أصدر الأنظمة التالية: 1- النظام الأساسي للحكم. 2- نظام مجلس الشورى. 3- نظام المناطق. وذكر -رحمه الله- أن هذه الأنظمة الثلاثة هي توثيقٌ لشيءٍ قائمٍ وصياغةٍ لأمرٍ واقعٍ معمولٍ به، وعماد النظام الأساسي ومصدره هو الشريعة الإسلامية، حيث اهتدى هذا النظام بشريعة الإسلام في تحديد طبيعة الدولة ومقاصدها ومسؤوليتها وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي تقوم على الأخوة والتناصح والموالاة والتعاون. ثم أورد -رحمه الله- أن النظام الجديد لمجلس الشورى تحديثٌ وتطويرٌ لما هو قائمٌ عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه من الكفاية والتنظيم والحيوية، وأن هذه الأنظمة جاءت بعد دراسةٍ دقيقةٍ ومتأنيةٍ من قبل نخبة من أهل العلم والرأي العام والخبرة. تجاوز التحديات وفي يوم السبت الموافق للسابع والعشرين من شهر ربيع الأول لعام (1430ه) وأثناء افتتاح أعمال الدورة الخامسة للمجلس في السنة الأولى؛ حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه الذي ألقاه تحت قبة مجلس الشورى على التأكيد أن تشجيع المواطنين على الوقوف معًا في وجه التحديات المحدقة بالمنطقة والتصدي لها بكل عزم، حتى لا يتأثر أمن واستقرار الوطن. كما أكد أن الانتصار لا يأتي بسهولة، بل لابد من تكاتف الجميع في الدولة من الشعب ومن المسؤولين والصبر في وجه المصائب التي تهدد أمن واستقرار الوطن، كما عزز -رحمه الله- على موقف المملكة في دعم الدول المجاورة ومساعدة الأشقاء في كل مكان، ثم ذكر بالحكمة المستفيضة التي عولجت بها مختلف القضايا التي واجهت المملكة، بفضل الله تعالى مشدداً على وحدة الوطن والمواطن ومختتماً خطابه بالدعوات الصادقة راجياً من المولى عز وجل للجميع بالتوفيق والسداد. التمسك بالاعتدال وشهد يوم الثلاثاء الموافق للخامس عشر من شهر ربيع الأول عام (1438ه) افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة وفي خطابه تحت قبة مجلس الشورى حرص -رعاه الله- على تأكيد التمسك بما قامت عليه المملكة العربية السعودية وهو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، منوهاً بالركائز التي تقوم عليها السياسة الداخلية للمملكة، والتي تتمثل في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء، والتي ما تزال -ولله الحمد- راسخة رغم كل الظروف الخارجية التي تمر بها البلاد. وفي مجال السياسة الخارجية شدد -حفظه الله- على تعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك؛ حتى نتجاوز الظروف التي نمر بها حاليًا وتحقيق مستقبل أفضل وغد مشرق بإذن الله، مختتماً -حفظه الله- بضرورة وضع مصالح الوطن والمواطنين نصب أعيننا دائمًا، ومتمنياً للجميع السداد والتوفيق في كل الأعمال، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة ويوفقنا لما يحبه ويرضاه. وجاء في خطابه -حفظه الله- التأكيد على أنّ سياسة المملكة الداخلية "تقوم على ركائز أساسية تتمثل في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء في بلادنا، وتنويع مصادر الداخل، ورفع إنتاجية المجتمع لتحقيق التنمية بما يلبي احتياجات الحاضر ويحفظ حق الأجيال القادمة"، مضيفاً: "لقد مرَّ على بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية ظروفٌ مماثلةٌ اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها، ولكنها خرجت منها ولله الحمد باقتصادٍ قويٍّ ونموٍّ متزايدٍ ومستمرٍّ، وإصلاحاتنا الاقتصادية اليوم انطلقنا فيها من استشراف المستقبل، والاستعداد له في وقتٍ مبكرٍ قبل حدوث الأزمات، وتأتي رؤية المملكة 2030 في هذا السياق بهدف رفع أداء مؤسسات الدولة لغدٍ أفضل -بإذن الله-، ولتحقيق العيش الكريم لأبنائنا وبناتنا، ونحن متفائلون بذلك بحول الله وقوته". أما في مجال السياسة الخارجية، فأكّد -أيّده الله-: "سنستمر بالأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك، وهذه الظروف التي نمرُّ بها حاليًا ليست أصعب مما تعرضنا له سابقًا، وسنتجاوزها إلى مستقبلٍ أفضل وغدٍ مشرقٍ -بإذن الله-، أقول ذلك وكلِّي ثقةٌ بالله ثم بأبناء هذا الوطن". وتوجه في ختام خطابه إلى أعضاء المجلس قائلاً: "إن مجلسكم الموقَّر عليه مسؤولياتٌ عظيمةٌ تجاه الوطن والمواطنين، وإنني أطالبكم جميعًا كما ذكرت لكم بالأمس أن تضعوا مصالح الوطن والمواطنين نصب أعينكم دائمًا، وإبداء المرئيات حيال ما تتضمنه تقارير الحكومة المعروضة على المجلس، والتشاور مع المسؤولين، متمنيًا لكم التوفيق في عملكم الذي نعقد عليه آمالًا كبيرة، ونحن على يقينٍ بأنكم -إن شاء الله- أهل لذلك".