أبرز باحث سعودي مختص في التاريخ الحديث مراحل تطور الاتصال اللا سلكي في المملكة وجهود المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وتصميمه على مواجهة التحديات في مراحل التأسيس، مستعرضاً تلك المراحل على مدى 8 عقود، مسلطاً الضوء على منطقة القصيم كونها تعدّ من أوائل المناطق التي شملتها خدمات الاتصال في ذلك الوقت. وتأتي التطلعات الجديدة التي أطلقتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وعراب الرؤية الجديدة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، مواكبة لمسيرة تلك التحولات الرامية لبناء نهضة اقتصادية تواكب التطورات العالمية اليوم، حيث أبرزت ملامح رؤية 2030 الاتصال كهدف لتحقيق إحدى الطموحات التي رسمتها الرؤية وذلك في سبيل تيسير خدمات الاتصال. ثالث القوى ووفقاً لباحث الدكتوراه عبدالمحسن بن صالح الرشودي فإنه بعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز عام 1344 ه بدأ بالاستفادة من بعض الجوانب الحضارية الموجودة في الحجاز حيث عمل على تعميمها في جميع بلاده، معتبراً الاتصالات هي ثالث القوى بعد السيف والاقتصاد التي قامت بدور مهم في مسيرة الملك عبدالعزيز لتوحيد البلاد وإرساء قواعد الأمن والاستقرار فيها. الحل الأمثل وقال الرشودي إنّ المؤسس عدّ هذه المخترعات الحديثة في مجال الاتصالات هي الحل الأمثل للتواصل بين هذه المسافات البعيدة والصحارى الواسعة التي أصبحت تحت حكمه وحاجته إلى إدارة البلاد وتفقد شؤونها بأسرع ما يمكن وبأسهل الطرق، لذلك أعجب الملك بهذا النظام من الاتصالات حيث قام بربط جميع المناطق المهمة في بلاده ب»الشنطة الملكية»، والتي هي عبارة عن سيارة تحمل جهاز الاتصال اللاسلكي وترافق الملك في تنقلاته، وذلك على الرغم من الصعوبات التي واجهها بسبب عدم وجود الكوادر الفنية المدربة وعدم وجود الفنيين من أبناء البلد، المختصين في هذا المجال. صعوبات فكرية وأشار الرشودي إلى أنه على الرغم من التيارات الدينية والفكرية المعارضة التي واجهها الملك عبدالعزيز لهذه التقنية بحجة أنها من أعمال الشيطان، وأنها بدعة يجب محاربتها، إلا أنه قاوم تلك التحديات وكانت بمثابة دافع له لنشر تلك التقنية في كافة أنحاد البلاد. ووفقاً للباحث فإن المؤسس واجه تلك الصعوبات الفكرية بكل حزم، موضحاً « قال لهم في إحدى الاجتماعات: مسألتان لا أسمع فيهما كلام أحد بعد أن ظهرت فائدتهما لي ولبلادي، اللاسلكي والسيارات». بعثة الاتصالات وأضاف «لما استطاع تخطي هذه العقبة بادر إلى تعميم المراكز اللاسلكية في أكثر مدن المملكة وأرسل أولى البعثات السعودية لتلقي التعليم في مجال الاتصالات في خارج المملكة إلى أن تم افتتاح أربع مدارس لتعليم فنون الاتصالات الحديثة ففتحت في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورةوجدةوالرياض حيث تخرج منها طلاب يجيدون العمل في مجال التلغراف والتلفون كما قام -رحمه الله- باستيراد عدة مكائن اتصال مستقبلة ومرسلة منها الثابت ومنها المتحرك وقد تجاوز الاتصال بعد ذلك إلى العالم الخارجي، فأصبح اللاسلكي وخاصة بعد عام 1351ه هو اللسان الذي يتحدث فيه الملك والعين التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها فكانت معظم شؤون البلاد واحتياجات المواطنين تدار وتتم عن طريق هذا النظام اللاسلكي الذي عمل الملك عبدالعزيز على نشره وتعميمه ومد خدماته عبر المملكة بقوة وتصميم راسخين». وصول معدات البرق ووفقاً للرشودي فإن القصيم تعد من أوائل المناطق في المملكة التي شملها دخول الاتصال اللاسلكي الحديث آنذاك حيث أقيمت محطات اللاسلكي في كل من بريدةوعنيزة وبلدة قبه، ففي بريدة ذكر أن معدات البرق قد وصلت إلى بريدة قبل معركة السبلة بسنتين تقريباً، إلا أنها بقيت حبيسة أحد الأحواش في داخل قصر الإمارة وشُدد في إخفائها أثناء اجتماع الإخوان -التيار المعارض للتقنية- حول بريدة قبل معركة السبلة الشهيرة بأشهر. وأشار الرشودي إلى أنه عُرف عن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تصميمه على الأخذ بأسباب الحضارة والرقي، وحينما يواجه تياراً اجتماعياً أو دينياً متشدداً يحملهم على حسن نياتهم بأنهم أعداء ما جهلوا فيتريث قليلاً مستخدماً التمهيد والتلميح حتى يحين الوقت المناسب، مضيفاً «تعد معركة السبلة حداً فاصلاً في انطلاقة المملكة في بعض الجوانب الحضارية». واستطرد» أُنشئ في بريدة عاصمة القصيم محطة التلغراف اللاسلكي فانزعج الناس لذلك وأحدث عند العامة تشويشاً فذهبوا إلى القاضي عبدالله بن محمد بن سليم يأخذون رأيه فطمأنهم وأمرهم بالسكينة فقاموا مقتنعين». مقرات اللاسلكي وزاد الرشودي «تم تجهيز مقر اللاسلكي بالمعدات اللازمة حيث وضعت ماكينة البرق التي من نوع ماركوني تعمل ب 12 حصاناً بقوة إرسال ستة كيلوات متوسطة الموجة، ومع التطور في هذا المجال وسعة استعمال اللاسلكي اتسعت خدماتها وبالتالي أصبحت تحتاج إلى موظفين إضافيين، وفي عام 1363ه أصبح لإدارة البرق في بريدة هرم إداري بدءاً بالمدير وانتهاءً بموزع البرقيات». وقال «مع مطلع عام 1367ه أصبح هناك نقلة كبيرة لإدارة اللاسلكي حيث انتقلت من خدمة الإدارة المحلية وربطها بالملك إلى خدمة المجتمع والأهالي، ولذلك أصبح لديها قدرة استيعابية أكبر وأصبحت بحاجة إلى موظفين أكثر من قبل». وأضاف «وفقاً للمعلومات في بعض المصادر فإن الجهاز اللاسلكي في بريدة يسير وفق النظم المتبعة والتعليمات الإدارية، لذلك كان الموظفون يقومون باستلام البرقيات الرسمية وغيرها ثم يقومون بتسجيلها بدفتر خاص تحمل رقم وتاريخ الوصول بالساعة والدقيقة، ثم يقوم الموزعون بتسليم هذه البرقيات إلى الدوائر الحكومية الموجودة في بريدة، أما البرقيات التي تحمل عنواناً خارج بريدة فإن ذلك له طريقان إما أن ترسل بالبريد على ظهور الجمال أو أن يضع المرسل عنوانه لدى أحد التجار مثلاً حيث ترسل إليه بطريقة خاصة». خدمات حكومية وفيما يتعلق بوظيفة اللاسلكي وخدماتها للجهات الحكومية، قال الرشودي إن الوثائق في كل من أرشيف إمارة ومالية بريدة أشارت إلى أنه كان هناك خط ساخن بين الملك والجهات الحكومية خاصة الإمارة والمالية وربما اعتمدت على السرية، حيث توجد قائمة شفرة خاصة بأمير بريدة آنذاك ويتضح منها أن لكل كلمة رقماً يستطيع تفسيرها الأمير وذلك إمعاناً في السرية في بعض المخاطبات بين الأمير والملك ولذلك يوجد عدد من البرقيات التي تتضمن أرقاماً فقط». مخارج البرقيات وأكد الباحث أن المواطنين استخدموا البرقية واستفادوا منها فوائد عظيمة سواء في الأمور الاجتماعية أو الأحوال الشخصية أو الأمور المالية والتجارية، مضيفاً «ومن خلال تتبع عدد من البرقيات الموجودة في المنطقة فإنه يمكن القول إن مخارج البرقيات الموجودة في أرشيفات المنطقة أكثرها من الرياضومكةالمكرمةوجدة وبعضها من حائل، ويأتي البعض الآخر من الشنطة الملكية. المركز اللاسلكي ومن جهة أخرى قال الرشودي إنه أنشئ المركز اللاسلكي في مدينة عنيزة في 9 / 11 / 1365ه، ومن خلال بعض الوثائق يتضح أن ذلك المركز أدى دوره فيما يتعلق بارتباط عنيزة بالدوائر الحكومية ببريدة وخاصة المالية والتعليم، وقد عُمل لهذا المركز مقر مستقل ومجهز بمعدات وآلات البرق جعلت مقراً لذلك المركز حيث استؤجرت له بيتاً من أحد المواطنين بقيمة (400) ريال للعام الواحد، ويعمل في هذا المركز ثمانية موظفين. وقال الرشودي إن المركز الثالث في منطقة القصيم في تلك الفترة هو مركز لاسلكي قبه الذي أسس أوائل عام 1357ه، حيث تُشكل قبه إحدى البوابات الشمالية الشرقية للمنطقة وبخاصة أنها على الطريق المؤدي إلى الكويت والذي من خلاله كانت التجارة مع الكويت رائجة وقائمة وغالب التجار الذين ينقلون بضائعهم على ظهور الجمال لا بد لهم من المرور على هذه البلدة، كما أنها تُشكل نقطة متوسطة بين عدد من المدن المهمة كبريدة التي ترتبط بها بطريق رئيس يبلغ طوله 150 كيلومتراً وحائل التي تبعد عنها حوالي 200 كيلو وحفر الباطن التي تبعد عنها حوالي 350 كيلو، ولذلك فمن الطبيعي أن يوضع في هذه البلدة وسائل الاتصال الحديثة لخدمة الناحية الأمنية التي كان الملك عبدالعزيز حريصاً عليها كذلك لخدمة النواحي التجارية وحفظ منافذ الدولة ومخارجها، فهي نقطة أمنية رئيسة بالنسبة لمنطقة القصيم. المصروفات والإنفاقات وفيما يتعلق بالمصروفات والإنفاقات على تلك المراكز أشار الباحث إلى وثائق تؤكد أن مصاريف اللاسلكي في المراكز السابقة كانت إحدى المهام التي تقوم بها مالية بريدة والتي تتمثل في الأوراق والمظاريف وما شابه ذلك بالإضافة إلى المشتقات البترولية كالزيت والديزل. الملك فيصل مع الوفود العربية في مؤتمر الاتحاد العربي للاتصالات عام 1386ه- 1966م أول خط برق «تلغراف» عام 1345ه- 1926م أول بعثة أعمال اللاسلكي في لندن عام 1350ه- 1930م آخر إصدار للهاتف السعودي 1421ه- 2000م عبدالمحسن الرشودي مقسم تبديل اتصالات يدوي صغير استخدم في عام 1352ه - 1933م