الحقيقة الواضحة أن الاهتمام بالتعليم وتطويره وتحسينه أصبح أولوية من أولويات الدول تزداد يوماً بعد يوم. ولا غرو في ذلك كون التعليم هو الذي يحدد حضارة ورقي وتميز دولة عن أخرى. وتزداد موثوقية الأنظمة التعليمية بمستوى التزامها بأعلى معايير الجودة تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعةً مع البحث المستمر عن أفضل الممارسات والمقارنات المرجعية. وليس بمستغرب أن تهتم الأمم والشعوب بالجودة وإتقان العمل، إذ أصبحت الجودة منهج حياة وسمة العصر الحديث باعتبارها مطلباً أساسياً لنجاح أي عمل من أجل تحقيق إسعاد المستفيدين، لذا تبنت الأممالمتحدة في عام 1990م تخصيص يوم عالمي للجودة والذي يصادف ثاني خميس من شهر نوفمبر من كل عام لزيادة الوعي والاهتمام العالمي بأهمية الجودة وتطبيقاتها بما يعود بالفائدة على الأفراد والمجتمعات والعالم بأسره. ويأتي اليوم العالمي للجودة لهذا العام تحت شعار " الجودة أساسها الثقة " . ويأتي اختيار شعار " الجودة أساسها الثقة " كون جودة الخدمة أو المنتج لها أثر كبير وبالغ على زيادة الثقة والولاء لتلك الخدمة أو المنتج. ونظراً للمنافسة الشديدة بين الأعمال سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة تأتي أهمية الثقة عاملاً مهماً في تحديد نوعية العلاقة بين مقدمي الخدمة أو المنتج والمستفيدين منها. ولعل قطاع التعليم يُعد أحد أبرز القطاعات الذي يتطلب بناء وتعزيز مزيداً من الثقة بين مقدم الخدمة والمستفيد منها نظراً لكونه الأكثر حاجة لتسريع استجابته للتغير والتجديد نتيجة التحديات والمستجدات التي يواجهها مما يحتم على القائمين تبني مفاهيم وتطبيقات الجودة والتميز الحديثة وضمان الالتزام بها لتحقيق الفائدة المرجوة. وقد أثبتت الدراسات العلمية والتجارب العملية أن تحقيق الجودة والتميز في التعليم ليس نتاج الصدفة ، بل نتيجة تخطيط وتطبيق متميز ومستمر لنظام جودة قادر على التغيير النوعي في الكيفية التي يُودى بها العمل التربوي لإحداث الأثر الإيجابي المنشود في مخرجاته ، وهذا ما حققته بعض المؤسسات التعليمية وغيرها من دول العالم الأول من تقدم في مجال الجودة والتميز لتجاوز تطلعات المستفيدين والوصول لنظام تعليمي يصل لدرجة الإبهار في جودة مخرجاته ، وكذلك الإصرار للبقاء في حالة الجودة والتميز والاستمرار ليس لمواكبة التغير في احتياجات وتطلعات المستفيدين بل لاستباق واستشراف التغير المستقبلي . ولاشك أن المؤسسات التعليمية هي الأكثر حاجة لتسريع استجابتها للتغيير والتجديد وتبني أساليب عمل متطورة لمواجهة التحديات الكثيرة بكل كفاءة واقتدار ، مما يجعل التميز في إسعاد مستفيديها غايتها ونبضها اليومي الذي لا يتوقف عن الحركة للجديد والتجويد والتحسين المستمر في كل نشاط وعملية في نظام العمل بدءاً من التركيز على الطالب كمركز للعملية التربوية والتعليمية إلى المعلم والإدارة والقيادة وبيئة التعلم والتعليم الجاذبة والمشوقة ، إلى العلاقة المفتوحة والمستمرة مع الاسرة والمجتمع المحلي وغيرها من العمليات المساندة الاخرى . وانطلاقات من رؤية مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم بأن يكون " مرجع موثوق لتعزيز جودة التعليم وتميزه في العالم العربي " يسعى المركز نحو تعزيز ثقافة الجودة بما يتوافق مع أهداف المركز ومهامه وتوجهات منظمة اليونسكو وأهداف التنمية المستدامة والاحتياجات المختلفة للدول العربية التي يسعد المركز بتقديم خدماته لها من خلال تنمية ثقافة الجودة والتميز، نشر المعرفة وأفضل الممارسات التعليمية، تقديم الاستشارات والبحوث والبرامج التطويرية، وتنسيق الجهود الإقليمية لتعزيز الخبرات التعليمية. وخلاصة القول أن قيادة الجودة في التعليم لبناء وتعزيز الثقة بحاجة إلى جودة قيادة راغبة وقادرة ومالكة لإحداث التغيير الإيجابي الملموس وإقناع العاملين في الميدان وكسب ثقتهم بأهمية التغير والتغيير وفق بوصلة محددة المعالم ليتحقق التميز المنشود واستدامته . مدير عام مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم د. عبداالرحمن بن إبراهيم المديرس