يحفل التاريخ السياسي حول العالم بجرائم وانتهاكات طويت قسراً في أضابير النسيان، وجرى تمييع الحقائق أو تزييفها لينجو الفاعل بفعلته، ويضيع حق الضحايا هباء، وسجلات التاريخ قريبة وبعيدة عامرة بقصص المخفيين والقتلى الذين بقي مصيرهم سراً في أقبية الاستخبارات، ولغزاً عصياً سرعان ما ينفك الجميع عن محاولة حله. في دولة أخرى لربما كان بالإمكان السير في الدرب ذاته في قضية اختفاء جمال خاشقجي، والمراهنة على الزمن وسياسة الغموض المضجرة ريثما تنتهي الجلبة كالعادة وتنطفئ الأضواء، وينشغل العالم بقضية أخرى، غير أن المملكة بقيادتها الرشيدة تأبى إلا أن تكون كما كانت دائماً، نبراساً للحق، وأنموذجاً للعدالة والصدق، والشفافية، فمنذ البداية لم تسارع المملكة بنفي الاتهامات أو تحويل أصابع الاتهام إلى أحد رغم هجمة المتربصين، وكيد الموتورين، وقدمت درساً في تقصي العدالة، وإعلاء مبدأ الشفافية أياً كانت النتائج. لأن الحق منهجها والشريعة دستورها لم تسعَ المملكة قط للملمة القضية، ومحاولة التستر على المتورطين، وإخفاء الحقيقة، بل أرسلت على الفور فريق تحقيق إلى تركيا، ورحبت بكل أريحية بمشاركة السلطات التركية في التحقيق، وفتحت قنصليتها لوسائل الإعلام، وما إن توفرت لديها معطيات أولية، حتى بادرت بالإعلان عن وقائع القضية، وأعفت عدداً من المسؤولين وأوقفت متهمين على ذمة القضية. وسط أجندات مشبوهة، وتصعيد انتهازي من أطراف منبوذة، لم تتوانى المملكة عن إعلان الحقيقة، في درس جديد لأنظمة التآمر والدسائس، قدمت المملكة نفسها مرة أخرى كدولة تعمل في ضوء النهار، تاركة مخططات الظلام لأنظمة نبذتها شعوبها قبل أن ينبذها المجتمع الدولي، وهي في سلوكها الشفاف هذا الصادر من نهج متأصل في سياستها الداخلية والخارجية، إذ قامت على العدل وتطبيق الشريعة منذ تأسيسها. أكدت المملكة منذ بداية قضية إختفاء المواطن جمال خاشقجي أنها لن تتخلى عن مسؤوليتها في كشف مصيره، باعتباره أحد مواطنيها، ولن يكون أحد أكثر حرصاً من المملكة على أمن وسلامة مواطنيها، وسرعان ما أوفت بتعهداتها، إذ كشفت ملابسات القضية بكل شفافية، ودون مواربة، وشددت على تطبيق العدالة بحق كل المتورطين، كائناً من كانوا، بل وشرعت في هيكلة رئاسة الاستخبارات، متابعةً لنهجها في تحديث أجهزة الدولة، لمواكبة المسؤوليات الكبرى المناطة بالمملكة. بيان الحقيقة والعدالة يوجه أكثر من رسالة، لكن أكثر الرسائل جلاءً، موجهة لأنظمة الشر، بأن المملكة ماضية في طريق المستقبل، وثابتة على مبادئها الشامخة، لن يزحزحها حاقد أو حاسد أو طامع، ولن يضيرها ضجيج المؤدلجين والمتربصين، ولن يفتّ في عضدها تشكيك الإعلام المسموم، وأن سياستها الحازمة أثبتت نجاعتها مع الدول المارقة، وعرّتها أمام المجتمع الدولي، وبرهنت على سلامة الدوافع ومنطقية الأسباب لمقاطعة هذه الأنظمة التي لا تتقن سوى حياكة المؤامرات ونشر الخراب، والسعي حثيثاً بلا جدوى لإطفاء قناديل النور التي تضيئها السعودية الجديدة لأنها لا تجيد العمل إلا في حلكة الظلام. Your browser does not support the video tag.