بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي ترامِب، والتي أثارتْ جدلاً واسعًا حول علاقة المملكة بأميركا، حيث ادَّعى ترامب أنّ بلاده تحمي المملكة، وأنّها إن تخلَّتْ عن تلك الحماية، فلن تكون المملكة قادرة على الاحتفاظ بأمنها لمدة أسبوعين. هذه التصريحات لم تَمُر مرور الكِرام، ولمْ تقف المملكة منها موقف صمتٍ، مما دعا بعض الناس للمقارنة بين موقف المملكة من كندا لتدخلاتها في الشأن السعودي الداخلي، وموقفها من أميركا بعد التصريحات الأخيرة. وقد أوضح ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في الحوار المطوَّل الذي أجرته معه وكالة بلومبيرغ الأميركية الضالعة في الشأن الاقتصادي، ردَّه فيه على تصريحات ترامب، وتناول بالتفاصيل والأرقام الدقيقة القضايا السياسية والاقتصادية في المملكة، بصورة تنمّ عن وعي شامل، وحضور ذهني بارز على مختلف الأصعدة، ورؤية ثاقبة للخطواتِ الواثقة التي تخطوها المملكة للنهوض باقتصادها، وزيادة مواردها، وتحقيق أمنها وأمن مواطنيها. كانتْ ردود الأمير محمد بن سلمان دقيقة وواضحة بأنّ المملكة لن تدفع شيئاً مقابل تحقيق أمنها، وأنّها دفعتْ أموالاً مقابل أنظمة التسليح التي اشترتها، فهي لم تأخذها بالمجان، وأنّ المملكة كانتْ قادرة على حماية مصالحها في ظلّ إدارة أوباما التي كانت مناوئة لسياسة المملكة وأجندتها في الشرق الأوسط. وأنَّ المملكة بما تحمله من حكمة وسياسةٍ، تستطيع تقدير الأمور، وتقبُّل تصريحات الأصدقاء، وإن كانتْ سيئة، في ظلِّ القدر المشترك من نقاط التلاقي الكبيرة بين المملكة وأميركا، فلا نُهْدِر هذه الروابط المتينة بسبب تصريح مسيء، وإنْ كُنّا لا نتجاوزُه بل نردُّ عليه بقوَّة، ونعلنُ أن تاريخ المملكة أقدم وأرسخ من تاريخ أميركا، وأن التصريحات المنفلتة من ترامب كانتْ لإرضاء الداخل الإميركي، وكسب مزيد من الشعبية له ولحزبه، ليزيّن لهم قدرته على تحقيق مكتسبات للاقتصاد والمواطن الأميركي. كما تطرقتِ المقابلة لكثير من المحاور التي يراها بعضٌ شائكة كالحديث عن المحتجزين المتهمين بقضايا فساد، والموقف من المعارضين لسياسات المملكة، وأبان ولي العهد أنّ ثمة فرقًا بين المجاهرة برأيك المختلف مع الحكومة، وهذا أمر مُرحَّبٌ به، وبين أن تبيع وطَنَك لصالح جهات استخباراتية معادية. وتناولت المقابلة التي يقع نصُّها في حدود ستين صفحة قضايا المملكة ورؤاها الاقتصادية والاستشرافية، ومدى النمو الحاصل في تحقيق الأهداف في الخطط القصيرة والمتوسطة وصولاً لرؤية 2030م وما بعدها، والآمال التي تعلِّقها المملكة على إحداث طفرات اقتصادية لا تعتمد على الريع النفطي وحده، بل تعقد شراكاتٍ مؤثرة مع القطاع الخاص، وتسعى لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين. كما بشَّرَ ولي العهد بصفقاتٍ ومبادراتٍ قريبةٍ تهدف لتحقيق الخير العميم على الأمة. وقد عزّزت هذه المقابلة للشعب السعودي ثقته في قيادته الشابَّة المطّلِعَة العارفة ببواطِن الأمور، القادرة على التعامل معها بحكمة، ورؤية استشرافية، تخطط للمستقبلِ تخطيطًا مدروساً، كما أكَّدتْ على ثقل المملكة السياسيّ، ونديَّتها في التعامل مع القوى العُظمَى، وتقبُّلها للنقدِ من الأصدقاء، كما تتقبَّلُ المدح، وأنّ المملكة قادرة على تصحيحِ مساراتها بالصورة التي تصبُّ في صالح مواطنيها، وما يضمن تماسك أمّتها العربية ووحدتها وقوّتها. Your browser does not support the video tag.