حين تتلقى اتصالاً ستتمكن على الفور من تمييز ما إذا كان المتصل قريبك أم لا، وأيضاً ما حالته المزاجية من نبرة صوته. وحين تلتقي بشخص من مصر ستتمكن من تمييزه عن الآخر من سورية، وهذا يعني أنك تمتلك أذناً موسيقية منذ ولادتك ولديك القدرة على الإدراك الموسيقي، إلا في حال كنت من ضمن «1,5» بالمئة من البشر الذين يولدون بمشكلات في التمييز بين الطبقات الصوتية مما تجعلهم يعانون من حالة تسمى «صمم النغم» أو لا يمتلكون أذناً موسيقية، ونسبة أقل تواجه مشكلات في الشعور بالإيقاع، أما فقدان إدراك الموسيقى تماماً فذلك غير مسبوق أساساً. إن سماع الموسيقى وتعلمها وتأليفها وعزفها ليست ترفاً إنسانياً، إنما هي تساعد على انتظام إيقاع أوقاتنا، ورصف كلماتنا في جمل مفهومة، وكذلك لها صلة وثيقة بمشاعرنا، كذلك فهي تعد مكوناً مهماً في الثقافات البشرية والهويات الجماعية، فقد وجدت الآلات الموسيقية من قدم النقوش الكهفية البشرية، أي منذ ما يقارب 42000 سنة، وهذا يعني أن الإنسان الذي كان يسعى خلف احتياجاته الرئيسة فقط آنذاك كان أيضاً بحاجة ضرورية لها. فالإدراك الموسيقي شأن بشري بامتياز، فالرئيسيات الأخرى وبعض من الطيور قد نجد بعضها تواكب إيقاعاً معيناً لكنها لا ترتقي إلى اكتمال منظومة الإدراك التي يمتلكها البشر، ولذلك أضحت الموسيقى إحدى أهم الأدوات الحضارية في رقي الإنسان، كأداة تشعره بتفوق نفسه وبرد مخالبه وأخذه إلى أبعد نقطة عن التوحش وأطباع المخلوقات البرية. لقد تعلم الإنسان الكلمات عبر الإيقاع الموسيقي والتي لم يكتفِ بها فأردفها بالنوتات التي استعان بها في التعبير الغامض الأنيق والتفسير العميق لكوامن النفس، واندفاع الأفكار وانتعاشة الذاكرة. فعلى سبيل المثال قام الموسيقار النمساوي «موتسارت» باختيار النوتة «B» وتلتها النوتة «C» والتي وظيفتها أن تجعل «B» حزينة كما جاء في مطلع أغنية السيدة فيروز «يا أنا» التي اختارت موسيقاه لحناً لأغنيتها. كذلك موسيقى الفصول الأربعة للموسيقار الإيطالي «فيفالدي»، حيث روى في سمفونيته عبر النوتات بداية فصل الربيع بترحيب الطيور الذي سرعان ما بعثره هبوب عاصفة رعدية مما حدا بهم إلى الخوف والبلل والارتعاد حزناً، وحين جاء الصيف غنى طائر القمري والذي يسمى بالإيطالية «توتاريلا» قبل أن تبدأ الرياح عبر الحقول معلنة قدوم فصل الخريف الذي يسارع به الصيادون إلى السعي وراء فرائسهم، وما أن يبدأ الشتاء فيترجم «فيفالدي» اصطكاك الأسنان وطقطقة النار والتزحلق على الجليد عبر موسيقى متناغمة باذخة العذوبة. ما نشهده اليوم في المملكة يتجاوز الاعتدال والانفتاح إلى معنى أن تكون إنساناً، المملكة اليوم تصعد على سلم موسيقي بتناغم مبهج بين حكومتها وشعبها وتترنم جذلاً بما تحققه من نجاحات. Your browser does not support the video tag.