يُعد الاعتذار خلقا إسلاميا رفيعا يفتقده كثير من الناس في هذا الزمن، بل يعتبرونه سمة من سمات الشخصية الضعيفة، وهذا مفهوم خاطئ، فالإنسان القوي هو من باستطاعته أن يبادر ليتأسف عما أخطأ فيه من أفعال وأقوال، وضعاف الشخصية والنفوس هم الذين تأخذهم العزة بالإثم، ويتهربون من الاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبوها بمبررات واهية، قال عليه الصلاة والسلام: «خير الخطائين التوابون»، ليس عيباً أن نخطئ في حق الآخرين، ولكن العيب التمادي والإصرار على الخطأ، والمكابرة بعدم المبادرة والاعتذار وطلب المسامحة عما حصل منك من خطأ تجاه الطرف الآخر. ويرى البعض أن ثقافة الاعتذار غائبة لدى أغلب أفراد المجتمع، فبعض الأشخاص يرونه عيباً، وأنه يقلل من شأنهم، ويضعف شخصيتهم، والبعض لا يعتذر رغم علمه أنه أخطأ في حق غيره، ويكون ذلك غالباً بدافع التكبر والتعالي، وهنا يجب أن يعلم الجميع أن الاعتذار لا يفعله سوى الكبار؛ حيث إنه يُسهم في نشر التسامح والأُلفة والمحبة، وكذلك يُزيل الاحتقان بين الأفراد، وهو دليل على حسن التربية والتواضع والرقي، إضافةً إلى أنه يكشف قوة الشخصية التي تقدر أن الوقوع في الخطأ لا يعني أن الشخص سيئ أو أنه فاشل. ترسيخ المفهوم وقال د.خالد النجمي: إن ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ تبدو مغيبة في مجتمعنا نوعاً ما، فمن النادر أيضاً أن نجد شخصا أو أشخاصاً يعتذرون عمّا بدر منهم، ويعترفون بأخطائهم أمام أبنائهم أو أصدقائهم، بل على العكس، كلٌّ يتمسك برأيه حتى إن كان يعرف أنه على خطأ، ولا يستطيع التنازل عمّا بدر منه؛ لأنه يرى في ذلك ضعفاً، وهذا - في ظني - هو الخطأ الأكبر، الذي يعزز ويرسخ الاستمرار في الخطأ دون محاولة الاعتذار، مضيفاً أنه لا يمكن تصحيح أخطائنا إلاّ إذا اعترفنا بها، وتقبلنا النقد تجاهها بصدر رحب، ومن ثَمَّ يمكننا أن نكون في المسار الصحيح، مشيراً إلى أن الاعتذار له دور في نشر ثقافة التسامح والألفة بين الأقارب والأصدقاء والعاملين، ويزيل الاحتقان والتشنج بين من تحدث بينهم خلافات واختلافات في بعض الموضوعات، مُشدداً على أهمية ترسيخ مفهوم ثقافة الاعتذار لدى النشء، من خلال المنزل والمدرسة؛ حتى يكون سلوكاً ممارساً فيما بينهم. سلوك الأقوياء وأوضح علاء زعقان، أن كثيرا من الناس في الوقت الحالي يفتقدون ثقافة الاعتذار والتسامح، مضيفاً أنه بعد الاعتراف بالخطأ يأتي الاعتذار، وهو سلوك الأقوياء الذين يمتلكون شجاعة الرجوع إلى الحق والاعتراف به، وينبغي أن يتم من دون تعالٍ أو تلاعب بالكلمات وتحريف للمعاني كما يفعل البعض، مبيناً أن الاعتذار اعتراف واضح بالخطأ، ودليل على قوة الشخصية التي تقدر أن الوقوع فيه لا يعني أن الشخص سيئ أو أنه فاشل، بل هو إفصاح عن سوء الاختيار، أو إخفاق في اختيار التصرف السليم، ذاكراً أن الاعتذار يكسب المعتذر احترام الآخرين، ويشجعهم على التسامح والعفو معه، مشيراً إلى أن من لم يقابل الاعتذار بتسامح وعفو هو خارج عن إطار الأخلاق الإسلامية، التي تلزم المسلم بالعفو والتسامح والرحمة في التعامل مع المخطئ المعترف بخطئه. خُلق العفو وبيّن فواز معوض، أن الإنسان الناضج هو الذي يقبل أعذار الآخرين، ويتعامل معهم بتسامح، ويتسلح بخُلق العفو عند المقدرة، مضيفاً أن قبول الاعتذار ليس قبولاً بالأمر الواقع أو قبول الإهانة، بل هو سلوك المتسامحين المنصفين، الذين يعرفون قيمة الصفح والتسامح، أمّا الذين يرفضون الاعتذار، ولا يقبلون أعذار الآخرين، ولا يقدرون الظروف الصعبة التي دفعتهم إلى التجاوز والإساءة، فهم أصحاب نفوس متشنجة، تغيب عنها أخلاق الإسلام، وهؤلاء- مع الأسف- غالباً ما يكونون سبباً مباشراً في تضخيم المشكلات الصغيرة، وتكبير التجاوزات البسيطة، بحيث تتحول إلى أزمات تترك أثراً سيئاً على المجتمع أمنياً واقتصادياً، مؤكداً أنه نشبت معارك ضارية بين أسر وعائلات بسبب سلوك طفل أو شاب لم يقبل المتجاوز في حقهم اعتذار ذويه. ولفت إبراهيم الحكمي إلى أن بعض الشباب لا يحسن الاعتذار، فتجده إذا أساء يبحث عن أي مبرر للخروج من المأزق الذي أوجد نفسه فيه، وقد يلجأ إلى الكذب والافتراء على الآخرين، مع يقينه بأنه مخطئ، وكان بإمكانه تفادي هذا الموقف بأن يعتذر بلطف ولباقة، مضيفاً أن الاعتذار والتأسف والتسامح عند الخطأ ليس عيباً أو طريقاً للمهانة، لكنه مطلب ضروري لبقاء الأخوة والاحترام. حوار متواصل وتحدث محمد دغريري- قائد مدرسة- قائلاً: إن كثيرا من الأشخاص يعتبرون الاعتذار إحدى وسائل الاتصال الاجتماعية مع الآخرين، بل مهارة من مهارات الحوار معهم، فالاعتذار يجعل الحوار متواصلاً ومرناً وسهلاً؛ إذ إن ذلك سيرفع من قلب مُحدثك الندية الصلبة في النقاش أو الجدل العقيم في الحوار، مضيفاً أن الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ والندم على فعله، والاستعداد الكامل لتحمل تبعاته، وهو ما يعني إكسابك القوة في نظر المتعاملين معك، وهذا ما يدفع مُحدثك للتعجب، وقد يصارحك بأنك شخص قوي وجريء، ويُجبره اعتذارك على احترامك، بل مساعدتك على تصحيح الخطأ إذا لزم الأمر، مبيناً أنهم داخل المجتمع المدرسي يعملون على غرس ثقافة الاعتذار بين الطلاب، من خلال تشجيعهم على الاعتذار من زملائهم، والتسامح فيما بينهم عند حدوث خطأ من أحدهم على آخر، ويبينون أن الاعتذار من الخلق الإسلامي الذي يجب على الإنسان المسلم العمل به. تواضع ورُقي وأوضح عثمان سويدي، أن ثقافة الاعتذار - مع الأسف- غائبة لدى كثيرين في مجتمعنا، فبعض الأشخاص يرون أن الاعتذار عيب، وأنه يقلل من شأنهم ويضعف شخصيتهم، والبعض لا يعتذر رغم علمه أنه أخطأ في حق غيره، ويكون ذلك غالباً بدافع التكبر والتعالي، فتسمع عند هؤلاء: «أعتذر له على أيش؟، مستحيل»، مبيناً أن ثقافة الاعتذار دليل على حسن التربية والتواضع والرقي في التعامل، والاعتذار لا يقلل من شأن قائله، بل يزيد من احترامه بين الناس، وليس من العيب الاعتذار لأشخاص أخطأنا في حقهم، بل العيب والعار أن نتعمد عدم الاعتذار، مضيفاً: «أنا من الأشخاص - والحمد لله- الذين إذا أخطأوا في أي حال من الأحوال تجدني أبادر فوراً بالاعتذار، وفي بعض الأحيان أشعر بالضيق إذا لم أعتذر». وقال عبدالرحمن مدخلي- مختص في علم الاجتماع-: إن الاعتذار من منظور اجتماعي يشير إلى التعاضد، ولكن نجد أن ثقافة الاعتذار، التي دائماً تحدث عند حصول خطأ، ليست متوافرة عند كثير من أفراد مجتمعنا بالشكل المطلوب، مضيفاً أنه يشعر البعض بالحرج عند تقديم الاعتذار، رغم أن ثقافتنا الإسلامية تؤكد ضرورة الاحترام، مبيناً أن هناك من يتصرف تجاه من أخطأ في حقه وكأن شيئاً لم يكن، وهذا من الخطأ، وغالباً يؤدي عدم الاعتذار إلى إنهاء صداقات وعلاقات اجتماعية كانت مضرب المثل في ذلك. د. خالد النجمي علاء زعقان فواز معوض إبراهيم الحكمي محمد دغريري عثمان سويدي Your browser does not support the video tag.