عندما يطرح سؤال عن أصعب وظيفة قد يمارسها الإنسان في حياته، تتعدد الأجوبة كل بحسب منظوره للأشياء التي يصعب إتقانها، فيقول أحدهم هي تلك التي تحتاج لتخصصات دقيقة ودراسات معقدة، ويقول آخر بل هي المهن الحرفية لأنها تكتسب عبر التوارث والأجيال، وهكذا تتعدد الآراء وفق التخيلات. ولكن قد يتفق كثيرون أن أصعب وظيفة هي تلك التي تخلو من الضمانات الحكومية والبنكية أو التي يتكبد الإنسان عناء السفر والاغتراب ثم يفتقد معها لكل الضمانات تلك، فيعيش في حالة من الرهاب المستمر والخوف المفضي للقلق والتوتر دائماً، والاستعداد للتضحية والرضا بالقليل، وربما للابتزاز أحيانا، وغير ذلك من الأساليب التي لا تحترم آدمية الإنسان.. في أحيان كثيرة يكون الموظف المميز الذي تحصل على وظيفته التي شعر فيها ولو ببعض الأمان أنه كان يعيش في بيئة مستقرة ومشجعة، والبيئة التي أقصد أكبر من محيط الأسرة، فهي المجتمع والمنشآت الخدمية التي تقدمها الدولة كالتعليم والرعاية، وفي كثير من الدول تكون هناك ضمانات للموظف مما يشعره بنوع من الاطمئنان ولو كان وقتيا، وفي كثير من الأحيان عندما يتعرض للفشل ذاك الموظف فتأتي المساندة من الأسرة والأصدقاء والمجتمع أيضاً. إذًا فالوظيفة الأسوء هي تلك التي رمى القدر بها شخصاً في مكان من الأرض صغير المساحة، كثير الأشخاص، نادرة فرص العمل فيه، وكتب عليه الشقاء في بيئة صعبة فقيرة مليئة بالأوبئة، تفتقد لكل مقومات الطبيعة الصحية، وكل أساليب التربية فيها معدومة، وعانى منها التشرذم الأسري والقسوة المجتمعية، ولم يتقن مهنة حرفية تمكنه ولو إيجاد قوت يومه، ثم سنحت له فرصة ذهبية أن يعمل عاملاً في أحد المهن المتواضعة خارج أسوار وطنه، براتب زهيد، وغموض يكتنف مصيره، وآلام وآمال حملتها إياه أسرته وأبناؤه، ثم يأتي إلى بلد ربما كان أكبر من أحلامه ليعمل فيه عامل نظافة، ثم تكتب له ربما معاناة أخرى مع بعض أولئك القساة الجفاة اللذين لايحترمونه لأن أقداره اختارت له أن يكون هذا عمله، فيا أيها الإنسان رفقاً بالإنسان وتذكر (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه). Your browser does not support the video tag.