بعد عبور القوات المصرية خط بارليف في حرب رمضان الموافق 6 أكتوبر، توقفت القوات المصرية حسب استراتيجية المآذن العالية مسافة 12 كلم شرق القناة. كان سبب وقوف القوات المصرية هو عدم وجود غطاء جوي بعد تلك المسافة، إضافة إلى الاستفادة من تفوق القوات المصرية في قدرتها على الصد. كانت الاستراتيجية مبنية على نقاط القوة والضعف من الجانبين، وقد أدى تنفيذ الاستراتيجية إلى نجاح مبدئي حتى جاءت ثغرة الدفرسوار. الدفرسوار منطقة تقع شمال البحيرات المرة الكبرى وجنوب مدينة الإسماعيلية تمر بها قناة السويس، تمركزت فيها قوات الجيش الثاني والثالث الميداني. تكونت الثغرة نتيجة لتطوير الهجوم نحو المضائق لتخفيف الضغط على الجبهة السورية يوم 14 أكتوبر بنقل الفرقة الواحدة والعشرين والفرقة الرابعة المدرعة من غرب القناة إلى شرقها. كانت خطة تطوير الهجوم قراراً اتخذته القيادة العسكرية المصرية بناء على اعتبارات سياسية لم تكن ضمن استراتيجية المآذن العالية التي كانت تقضي بالوقوف شرق القناة بعد العبور لإطالة أمد الحرب. كانت نتيجة تطوير الهجوم خسائر كبيرة في القوات المصرية نظراً لخروج القوات المصرية خارج مظلة الصواريخ. تكونت الثغرة لأن القوات التي كانت تحمي القوات المصرية غرب القناة في خط الدفاع الثاني تقدمت في تشكيل هجومي لتطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر. كانت نتيجة اختلال خطوط الدفاع المصرية أن اقتنصت قوات العدو الفرصة وتقدمت من خلال ثغرة القوات التي تقدمت للهجوم بين الجيش الثاني والثالث في منطقة الدفرسوار. كانت ثغرة الدفرسوار شاهداً على نجاح استراتيجية المآذن العالية، حيث تبين أن تطوير الهجوم أدى إلى نتائج عكسية تنبأت بها الاستراتيجية عندما نصت على الاكتفاء بوقوف القوات المصرية 12 كم شرق القناة. كان قرار عدم تطوير الهجوم مبنياً على معطيات واقعية أخذت بالاعتبار عند رسم الاستراتيجية التي وظفت قدرات القوات المصرية كاملة. كانت استراتيجية المآذن العالية تتضمن عنصرين من أهم عناصر أي استراتيجية ناجحة هما التركيز وتقديم التنازلات، يتمثل عنصر التركيز في عبور القناة وتحطيم خط بارليف والوقوف في مجال مظلة الصواريخ لإطالة أمد الحرب. ويتمثل عنصر تقديم التنازلات أن القوات المصرية تنازلت عن تحرير سيناء كاملة في المدى القصير من أجل الحفاظ على مكتسبات العبور الناجح. فعند دراسة الواقع بصدق لرسم أي استراتيجية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، تتبين خيارات لا يمكن الجمع بينها فيما يشبه مفرق الطرق. ولا يتضح صدق القرار وحكمته إلا عند مخالفته، حيث تتبين النتائج العكسية ومآلات القرار الخاطئ. ودون وجود نتائج عكسية لمخالفة الاستراتيجية المعتمدة يعني أن الاستراتيجية نفسها غير محكمة ولم تبن على أسس واقعية. عند ذلك يكون تنفيذ الاستراتيجية أو عدم تنفيذها سواء. لذا كانت قصة حرب رمضان بكل تفاصيلها درساً في أهمية الاستراتيجية، ومثالاً على النتائج السلبية لمخالفة استراتيجية أعدت بواقعية وصدق. Your browser does not support the video tag.