ربع قرن قضاه الأكاديمي د. موسى الحالول في مجال الترجمة الأدبية؛ تحقيقًا لميله الذي تنامى عبر السنين بذائقته الأدبية وحسه اللغوي. الحالول مترجم سوري، مقيم في المملكة منذ العام 2002، وهو حاليًا أستاذ الأدب المقارن بقسم اللغات الأجنبية بجامعة الطائف. غزير الإنتاج في الترجمة الأدبية، حيث بلغ ما ترجمه في هذا المجال حوالي ثلاثين كتابًا. وقد ألّف خمسة كتب أيضًا. صدرت له مؤخرًا في عمّان مجموعة قصصية ساخرة من تأليفه بعنوان «التاريخ السري لكلبنا نَمّور». فكان لنا معه هذا اللقاء فإلى تفاصيلة.. * ما سِرُّ غزارة إنتاجك في الترجمة الأدبية، وأنت أستاذ جامعي غير متفرغ لها؟ * لا يوجد سر ولا سحر، كل ما في الأمر هو أني أواظب على الترجمة منذ ربع قرن تقريبًا، ومع توفر المعاجم ومصادر المعلومات الإلكترونية في الآونة الأخيرة، بات الأمر سهلًا جدّاً. * حدِّثنا عن رحلتك مع الترجمة منذ البداية، وكيف شُغِفت بها؟ * كانت البداية بعد انتهائي من المرحلة الثانوية مباشرةً، حيث بدأتُ بترجمة نسخة مختصرة ومبسطة لرواية تشارلز دِكنز «حكاية مدينتين» التي كانت تُدرَّس لطلاب الفرع الأدبي في آخر سنة من المرحلة الثانوية، وقد أردت بهذه الترجمة «المراهِقة « أن أختبر صلاحيتي للالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة حلب الذي قررت الانضمام إليه سلفًا. * هل ترجمت عملًا غير ذلك في أثناء دراستك الجامعية الأولى؟ * لا، فبعد أن تجاوزت الصعوبات الأولى في بيئتي الجديدة الناطقة بالإنجليزية، انصرف تفكيري إلى الدراسة والاجتهاد في فهم النصوص الأدبية التي لم تكن مختصرةً ولا مبسطةً. لكن كانت مقررات الترجمة من المفضلة لدي. * إذاً، كان هناك انقطاع، فمتى عُدت إلى الترجمة من جديد؟ * عُدت بعد حوالي سبع سنوات، وكنت خلال هذه السنوات السبع قد تخرجت من البكالوريوس ودبلوم الدراسات العليا الأدبية بجامعة حلب (وقد استغرق كلاهما خمس سنوات). كما قد عُينت معيدًا في جامعة تشرين التي عملت فيها عامًا دراسيًا واحدًا قبل أن ألتحق بقسم الأدب المقارن في جامعة بنسلڤانيا الحكومية بموجب منحة الفُلْبرايت الأميركية التي كنت أحد ثلاثة فائزين سوريين بها لذلك العام. وبعد عام من دراستي في أميركا قررت ترجمة كتاب «أحاديث العَشِيّات» للدكتور عبد السلام العجيلي، رحمه الله. * ألم تكن لك ترجمات أخرى غير «أحاديث العَشِيّات» أثناء دراستك في أميركا؟ * بلى، فقد ترجمت، بناءً على طلب من زميل جزائري، رواية «ليلياتُ امرأةٍ آرِق» للروائي الجزائري رشيد بوجدرة. وكانت تلك التجربة من أصعب ما ترجمت، حيث يستخدم بوجدرة تقنية تيار الوعي في روايته القصيرة تلك. كما أن الرواية واجهتني بمفردات لم تكن لي بها أُلفةٌ في تلك الأيام. وحتى المعاجم الورقية لم تكن متاحةً لي بسهولة حينها، ناهيك من المعاجم الإلكترونية. ومن المفارقات أنني اضطررت للاستعانة بترجمة الكاتب الفرنسية لروايته، وهناك اكتشفت، بالرغم من معرفتي المحدودة للفرنسية، أنه لم يترجم روايته بالمعنى المألوف للترجمة، بل أعاد كتابتها من جديد. * متى كانت انطلاقتك الحقيقيه في عالم النشر؟ * كان ذلك في سنة 2001 حين كلَّفتني دار غُدْرُن الدانماركية ترجمة كتاب «هكذا تكلَّم الڤايكِنغ » إلى العربية وقد نُشر سنة 2002 في كوبنهاغِن، وفي هذه السنة أيضًا نشرت لي سلسلة إبداعات عالمية وهي ترجمتي لكتاب «حكايات الهنود الأميركيين وأساطيرهم». * ما أصعب الكتب التي ترجمتها؟ * بالإضافة إلى رواية بوجدرة الآنفة الذكر، وجدتُ تحديًا ومتعة كبرى في ترجمة «خفايا ما بعد الحداثة» للبروفيسورة الكندية - المصرية شادية دروري، وهو العمل الفلسفي الوحيد الذي ترجمته حتى الآن. العمل الصعب الآخر كان ترجمة مجموعة همنغواي القصصية الكاملة. أولًا، لأن عملي لم يقتصر على الترجمة فحسب، بل تجاوزه إلى الشرح والتعليق، حيث زودت ترجمتي، التي بلغت أكثر من ألف صفحة، بحوالي 480 حاشية شارحة للإشارات الكثيرة الغامضة الواردة في النص. والعثور على المعلومة في تلك الأيام لم يكن بهذه السهولة كما هو اليوم. وثانيًا، لأن همنغواي كان يُرصِّع قصصه بلغات أخرى غير الإنجليزية، كالفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية. لم أجد صعوبةً في ترجمة العبارات الفرنسية والألمانية، إذ كان لدي إلمامٌ بكلتيهما، ولكن معضلتي كانت في فهم العبارات الإسبانية والإيطالية. * لكل مؤلف أو مترجم كتب أثيرة في نفسه. فماذا عنك؟ * أولًا، من حيث المبدأ، أنا أؤمن بمقولة شليغل عن الرابطة الروحية بين المترجِم والعمل الذي يترجمه. وعمومًا لا أترجم عملًا إلا إذا أعجبني. ومن بين الترجمات الأثيرة لدي: «خفايا ما بعد الحداثة »، «كتابٌ بين الركام : ملحمة جلجامش العظيمة، كيف ضاعت، وكيف اكتُشفت»، «الأعمال القصصية الكاملة لإرنست همنغواي»، «أساطير النشوء الأفريقية ». * لماذا كانت ترجماتك من الإنجليزية أكثر من تلك التي ترجمت إليها؟ * من الطبيعي والسائد أن يترجم المرء من لغة أجنبية إلى لغته الأم. أما أنا، إذا استثنيت ترجمتي البدائية لرواية دِكنز، فقد بدأتُ بالعكس. وكما اتضح لي مبكرًا في مسيرتي الترجمية، هناك صعوبات جمة في إيجاد ناشر غربي مهتم بالأدب العربي المترجَم. لكني مع ذلك ترجمت أربعة كتب من العربية إلى الإنجليزية، بما في ذلك مجموعتي القصصية. * مَن المؤهل، برأيك، للاضطلاع بالترجمة الأدبية؟ * يجب أن تتوفر في المترجم الأدبي الذائقة الأدبية والحس اللغوي المرهف. ولا يكفي أن يكون المترجم ثنائي اللغة، بل ثنائي الثقافة أيضًا. والترجمة الأدبية خصوصًا فنٌ يعتمد أيضًا على الموهبة الفردية للمترجم، ولا يكفيه الإعداد الأكاديمي العلمي. * كيف تطورت لديك ممارسة الترجمة؟ * كما قلت في جوابي على سؤالك الأول، كانت رغبتي في الترجمة في البداية نابعةً من قلق مَدْرسي. ثم أصبحتْ متطلبًا أكاديميًا في مرحلة الماجستير. كما اتخذتُ من الترجمة في بعض الفترات ترياقًا أداوي به ألم الحنين أو الوحدة أو سوى ذلك من هموم الحياة، ولاسيما بعد اندلاع الحرب التي لم تُبقِ ولم تذر في سورية. ثم صارت إبداعًا ثانويًا بديلًا من الإبداع أو التأليف الأصيل. وبعد رواج بعض ترجماتي، ولاسيما في مجال ترجمة أساطير الشعوب والأمم المنقرضة أو المنسية، قررت أن يكون لي مشروعي الترجمي الخاص، ألا وهو نقل ما استطعت من أساطير الأمم المنسية مثل الهنود الأميركيين والماوري والفايكنغ. * هل شغلتك الترجمة عن مشروعات أدبية أو بحثية أخرى؟ * أكيد. فحين تتحول الترجمة إلى إدمان فلا بد أن تستحوذ على ممارِسها إلى درجة تشغله عمّا سواها. فكما أن الترجمة يمكن أن تكون حافزًا على الإبداع الثانوي، أي أن يُبدع في ترجمة أعمال غيره، فهي أيضًا يمكن أن تثبط ممارسها عن الإبداع الأصيل. * ما المشروعات التي تود أن تنجزها في المستقبل؟ * أترجم حاليًا ملحمة إثيوبية بعنوان «كِبْرا نَغَست» (أي، فخرُ الملوك)، وهي تحكي قصة لقاء ملكة سبأ (التي يسميها الإثيوبيون مَكيدة ويسميها العرب بلقيس) مع النبي سليمان. وتزعم هذه الملحمة أن الملك سليمان تزوج مكيدة، وهي بزعمهم ملكة إثيوبية، وأنجب منها ابنه البكر داود، فأسس هذا السلالة السليمانية في الحبشة. من ترجمات د. الحالول Your browser does not support the video tag.