الفنون جميعها مفاتيح الوجدان إن صح التعبير، لأنها تتصل اتصالاً مباشراً به، فالوجدان هو منبع السعادة أو الكدر، وبه تكمن العاطفة المشفوعة بالإحساس! والوجدان كما أكد علماء النفس مكمنه في الرأس وفي منتصف الدماغ كما أسلفنا (الأميجدالا) هذا الفص هو من يجعل حياتنا جحيماً أو نعيماً.. يقول هربر تريد في مقدمة كتابه معنى الفن: «إن المهندس المعماري لا بد أن يعبر عن نفسه في المباني ذات الأغراض النفعية الأخرى، وكذلك لا بد للشاعر أن يستخدم الكلمات التي تدور وتتداول في الأحاديث اليومية المتبادلة بين الناس. ويعبر الرسام عن نفسه عادة بالمادة لتمثيل العالم المرئي، وليس هناك إلا المؤلف الموسيقي الذي يكون حراً تماماً في جعل عمل من أعمال الفن نابعاً من وعيه الخاص!». هكذا تستمر القضية في جدلية مستمرة دون أي محاولة منا في تقصي أبعادها: كيف نحصل على المتعة في الفن والتي هي الهدف السامي لجميع الفنون الإنسانية؟!. يقول بنتدو كروشيه: إن المتعة لا تأتي عن طريق الجمال والمقاييس النسبية، وإنما تأتي عن طريق الفن الذي هو حدس أو مشاهدة عقلية. ومن هنا يظهر لنا وجها آخر، وهو أن هناك جمالاً يكمن في قلب القبح!. سبق أن تحدثت مع الدكتور صلاح القصب – وهو رئيس قسم النظريات بجامعة بغداد – وهالني ما وصفه لي من جمال رآه لحظة انفجار قنبلة أمامه وتسببت في ضرر سمعه، فهو يصف منظراً مذهلاً من الجمال في المنظر الذي رآه بعين المبدع الذي نسي لحظة الموت ومضى في تأمل ومضات الجمال المتولد من قبح اللحظة وهولها!. وكما أقرها لي الدكتور أحمد أبو العزايم وهو رئيس جمعية علماء النفس العالميين أنها تلك التداعيات والتفاعلات في منطقة الأميجدالا! مع قشرة المخ ذات الغلالات العصبية المتشابكة والمتصلة بالحواس الخمس وقد أسماها الفلاسفة المسلمين (بالحافظة) وربطوها بالحواس الخمس كما عند الفارابي وغيره، مما يحدث المتعة في التلقي. ولكننا وجدنا أن هناك زاوية أخرى تشعل جذوة هذا التفاعل العجيب، وهو تماس العقيدة مع الفن، لأنه تجسيد للطبيعة وللإنسانية، فالعقيدة لها فعلها الخاص في لمس الوجدان حينما يتماس الفن معها! ولذا فقد ابتدع الإنسان البدائي الفنون متخذاً من العقيدة أداة له مستعيناً بها على وحشة العالم ولاسترضاء الطبيعة من وجهة نظره. ومن هنا ارتبط الفن بالتأثير في الوجدان (الأميجدالا) عن طريق العقيدة ولكن بشرط جوهري مهم وهو أن يرتبطا اثنيهما بالإحساس وبهذا التلاحم بين الأضلاع الثلاثة يتم تفاعل الأميجدالا فتفرز تلك السيالانات الفاعلة والقادرة على تحويل الشعور أن يتقلب بين اللذة أو الكدر مما يحدث المتعة! ولعل الفشل الجدلي حول من وما السيد والأب وغير ذلك هو فشل في تحريك الوحدات وتلامساتها مع العاطفة والوجدان. الفنون جميعها مفاتيح الوجدان إن صح التعبير، لأنها تتصل اتصالاً مباشراً به، فالوجدان هو منبع السعادة أو الكدر، وبه تكمن العاطفة المشفوعة بالإحساس! والوجدان كما أكد علماء النفس مكمنه في الرأس وفي منتصف الدماغ كما أسلفنا (الأميجدالا) هذا الفص هو من يجعل حياتنا جحيماً أو نعيماً، ولهذا تنازعت الفنون السبعة على مركز السيادة والريادة والصدارة! وقد أطلق عليه العلماء (الدماغ الحوفي) فقالوا: «إن الدماغ الحوفي وبشكل خاص النتوء اللوزي الذي هو جزء من الدماغ الحوفي هو المتحكم الأساسي في كافة مناحي عواطفنا وانفعالاتنا وحتى أفكارنا، وهو في الأساس مبرمج بيولوجي، وكذلك تتم برمجته نتيجة الحياة وبشكل خاص نتيجة الحياة الاجتماعية هو الذي يحول المفيد أو الضار، إلى ممتع أو مؤلم، وهو الذي يقيم ويوجه غالبية تصرفاتنا وعواطفنا وانفعالاتنا وأفكارنا «. دعونا نقضي نزهة في محيط (الأميجدالا) لنرى لأي منها له السطوة العظمى ودون أحكام أو انطباعات ذاتية؟. هناك مقولة تخبرنا أن المسرح أبو الفنون، أما شوبنهور فقد قال إن سيد الفنون هو الموسيقى -ربما لأنها الأقدم تاريخاً- وربما لأنها تخاطب جمهورها مباشرة ودون وسيط، وربما لأنها لغة إنسانية لجميع المخلوقات! وفي جميع الأحوال لا يوجد سيد أو خادم في جميع الفنون، لأنها جميعاً تتفاعل مع ما منحنا الله به من إحساس ينفذ بدوره إلى خلايانا فيحيلنا إلى سعداء أو مكدرين، لأننا نتلقى رسائل ومضية ليس لها علاقة بخادم أو سيد!. تلك هي عظمة الفنون وتلك هي خدماتها التي تقدمها للوعي وللفكر وللعقيدة والتي أنكر عليها البعض ذلك!. فنحن جميع المفكرين والمثقفين سعداء بقرار خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، بإرساء قواعد وزارة الثقافة ولضم جميع الفنون إليها، لتتنفس في محيط صحي وأكاديمي فهي القوة الناعمة والمؤثرة على الإطلاق. Your browser does not support the video tag.