تتميز العلاقات الثنائية المتنامية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بالشمولية؛ في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية كافة وفي عدة قطاعات مختلفة، ولها موروث تاريخي وروابط متجذرة بين شعبي البلدين، وهو ما يدفعها إلى المضي قدما نحو آفاق أوسع. ويمثل إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي بعدا استراتيجيا في الطريقة التي تسعى بها الدولتان لمعالجة التحديات، والاعتماد على مصادر القوة في البلدين حيث يمثل حجم اقتصاد البلدين ما قيمته تريليون دولار "الأكبر في الشرق الأوسط" وصادراتهما تجعلهما ضمن أهم الصادرات العشرة عالميا، بقيمة تقترب من 700 مليار دولار، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين ما قيمته 24 مليار دولار، في حين بلغ حجم الواردات ما يقارب 550 مليار دولار. وأعلن خلال الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي الذي عقد في جدة، الأربعاء، عن اعتماد استراتيجية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصاديا وتنمويا وعسكريا عبر 44 مشروعا أطلق عليها "استراتيجية العزم" التي عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، وخلال 12 شهرا، ومن خلال 3 محاور رئيسية هي المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري. كما تم توقيع 20 مذكرة تفاهم بين البلدين ضمن المحاور ذات الأولوية، وذلك لإدخال مشاريع استراتيجية العزم حيز التنفيذ، وقد وضع قادة البلدين مدة 60 شهرا لتنفيذ مشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي بين البلدين يدعم مسيرة التعاون الخليجي المشترك، ويساهم في الوقت نفسه في حماية المكتسبات وحماية المصالح وخلق فرص جديدة أمام الشعبين الشقيقين. مواجهة التحديات أسس لدعائم العلاقات الاستثنائية التي تستند إلى قواعد راسخة من الأخوّة والرؤى والمواقف والتوجهات المتسقة تجاه قضايا المنطقة والعالم، الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- مع أخيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –يرحمه الله- ورسم لخطواتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين محمد بن سلمان، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اللذين وضعوا نصب أعينهم مصلحة بلديهما والأمة العربية والإسلامية. واليوم تمثل المملكة والإمارات أهم ركائز الاعتدال في المنطقة؛ فيمتلك كل بلد منهما علاقات دولية مؤثرة وثقل إقليمي قادر على ضبط موازين المعادلة العربية، ويصل التعاون بينهما إلى درجة التطابق الذي شكّل سداً منيعاً في وجه التحديات التي تعيشيها الأمة العربية، وتشير المواقف التاريخية إلى أن المملكة والإمارات صنعتا تاريخا واحدا واختلطت دماء شهدائهما الأبرار الذين قدموا أرواحهم دفاعا عن أمن المنطقة. نواة للتكامل العربي وقال د. مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد المصري الأسبق، إنه كلما زاد تشابك المصالح بين الدول كلما اقتربت مع بعضها كالاتحاد الأوروبي الذي بدأ بمصالح مشتركة ثم مجلس أوروبي إلى آخره من التطورات، وبالتالي أي خطوات تتخذ للتكامل الاقتصادي والمشاركة العربية أمر طيب نتمنى له النجاح مع التركيز على المشروعات المشتركة التي تخدم الأمن القومي العربي وتخدم التنمية في هذه الدول. وأكد السعيد ل"الرياض"، أن هناك إرادة بين المملكة والإمارات ومصالح مشتركة ونتطلع لآليات التنفيذ، فهما دولتان لديهما إمكانات تمويلية ضخمة؛ المملكة من حيث تعداد السكان ومن حيث حجم السوق الكبير فمثل هذه المشروعات تزداد في تأثيرها على التقارب بين الدولتين. وأضاف د. جهاد عودة، خبير التقديرات الاستراتيجية وأستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة حلوان، أنه لا يجب أن يُفهم أن هذه العلاقة منفصلة عن مجلس التعاون الخليجي، فهذه العلاقة لتطوير مجلس التعاون الخليجي ليصبح هناك علاقات قطاعية بين دولتين أو أكثر ليتم من خلالها التركيز على أوجه معينة للتعاون، وللحفاظ على مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة رائدة للتعاون الإقليمي كان لزاما السماح بالعلاقات الدولية الخاصة كالنموذج الفرنسي الألماني وهي علاقات خاصة في إطار نظام التعاون الأوروبي. وشددت د. عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، على أن العلاقة القائمة بين الدولتين علاقة قوية، وبجانب الدور الاقتصادي لهذه الاتفاقيات فهو دور سياسي يعبر عن علاقة أقوى ما بين المملكة والإمارات. وقالت المهدي إن الدولتين يربطهما بصفة عامة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وبينهما علاقة جوار، وأعتقد أن هذه البروتكولات بها نوع من التفعيل لهذه العلاقة. ويرى د. إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة ورئيس القسم الاقتصادي بمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بالقاهرة، أن تشكيل مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي يكثف التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات عديدة ليست اقتصادية فقط، ويظهر هذا المجلس مكانة الدولتين الإقليمية والدولية والاقتصادية، وحدد المجلس 6 نقاط رئيسية بهدف وضع رؤية مشتركة تعمل على استدامة العلاقات بين الدولتين بما يتفق مع أهداف مجلس التعاون الخليجي، ويعزز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين، ويعمل على حسن استغلال الموارد التي تملكها الدولتين، ويعمل على بناء منظومة تعليمية فعالة من خلال تحليل (سْوات SWOT) نقاط القوة ونقاط الضعف وإيجاد الفرص والعمل على تذليل التحديات، وكذلك تعزيز التعاون والتكامل في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وضمان التنفيذ الفعال لفرص التعاون والشراكة من خلال آلية واضحة لتقوم على منهجية متكاملة لقياس الأداء وتحقيق استدامة للخط والبرامج الاقتصادية من خلال المشروعات المطروحة. وأوضح شاهين أن هذا المجلس نواة جيدة للتكامل العربي بين كل الدول العربية الذي تعطل بسبب الخلافات والنزاعات العربية، ويعمل على زيادة الناتج المحلي ونسبة الاستثمارات بين البلدين. Your browser does not support the video tag.