حظيت حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة باهتمام كبير في المحافل الدوليَّة والإقليميَّة على جميع الأصعدة والمستويات، ولقد كان الإسلام سبَّاقًا منذ قرون طويلة في منح الإنسان حقوقًا أساسيَّة في كل مجالات الحياة؛ عن طريق إقراره مبادئ عامة وأساسيَّة لصيانة حقوق الإنسان، أكدها في القرآن الكريم والسنة النبويَّة المطهرة، والتي تقوم على الحق والعدل والمساواة والحريَّة والكرامة البشريَّة، ولم تعرفها المواثيق والاتفاقيات الدوليَّة إلا في الآونة الأخيرة. وقد جاءت الشريعة الإسلاميَّة بكل ما هو صالح لعباد الله، وكل ما فيه خير لهم في الدنيا والآخرة، ومن ذلك حفظها لكرامة الإنسان إجمالًا، قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)، كما أن الشريعة الإسلاميَّة جاءت لحفظ الضروريات الخمس وحمايتها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، والتي لا تصلح حياة الفرد دون حمايتها، وشرعت لحمايتها عقوبات مختلفة رادعة، وهي تعدُّ مبادئ لحماية حقوق الانسان إجمالًا. وقد جاء النظام الأساس للحكم في المملكة العربية السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 27 / 8 / 1412ه، مؤكداً للعمل بما نصت عليه الشريعة الإسلاميَّة في أنظمتهما، حيث نصت المادة السابعة منه على (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالي، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة، كما نصت المادة (الثامنة) منه على (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشوري والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية)، كما نصت المادة السادسة والعشرون على: "تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلاميَّة" وكذلك المادة السادسة والثلاثون منه، حيث نصت على: "توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها). وتعد شخصيَّة الفرد في الإسلام بارزة لا تفنى فيها، وإنما تقوم بإزائها، تعينها وتعمل على بقائها وصلاحها، كما تعمل هي على بقاء شخصيَّة الفرد وصلاحه؛ لأن بقاء وصلاح كل منهما ضرورة للآخر، فلا تنافر بين الاثنين، ولا تعارض، ولا مصلحة لأحدهما في مخاصمة الآخر ومعارضته لمحض المخاصمة والمعارضة، وإنما قد يحدث شيء من ذلك عند انحراف أحدهما عن نهج الإسلام الذي يخضع له الاثنان، من أجل هذا كله يتمتَّع الفرد في المملكة العربية السعودية بكامل حقوقه التي أقرها له الإسلام؛ لأن ما أقره الإسلام تقره الدولة - حفظها الله -. إن تمتع الفرد بحقوقه يعتبر أعظم ضمان لبقاء الدولة سليمة البنيان قادرة على تحقيق أهدافها. ولا مصلحة مطلقًا لها في السطو على هذه الحقوق؛ لأنها قامت لتمكين الأفراد من أن يحيوا الحياة، ومن أهم أسباب هذا التمكين تمتُّعهم بحقوقهم، بل ودفعهم إلى استعمال هذه الحقوق. ويعدُّ مصطلح حقوق الإنسان من المصطلحات الحديثة، فلم يحظَ بعناية الفقهاء الأوائل تعريفًا أو تحديدًا، وقد اهتم الباحثون المعاصرون في مجال الشريعة بهذا المصطلح، ووضعوا له تعريفات، منها: حقوق الإنسان هي تلك المزايا الشرعيَّة الناشئة عن التكريم الإلهي الذي وهبه الباري - جلَّت قدرته - للإنسان، وألزم الجميع طبقًا للضوابط والشروط الشرعيَّة باحترامها. فالحقوق الإنسانيَّة في الشريعة الإسلاميَّة ينظر لها باعتبارها ضرورياتٍ لا حقوقًا، فهي واجبة لهذا الإنسان وعليه، وليس من حق الفرد أو الجماعة التنازل عنها، أو عن بعضها، ولا سبيل إلى حياة الإنسان بدونها. Your browser does not support the video tag.