حديثنا اليوم أعزائي القرّاء يدور حول علاقتنا بهواتفنا، تلك العلاقة التي جرفتنا بعيداً عن استشعار لحظات الجمال والاتصال بالطبيعة رغبة منا بتصوير كل شاردة وواردة، تلك العلاقة التي سرقتنا خفية وخطفت منا أحبابنا، فأصبحنا لا نتقن مهارة لحوار ولا لفنون إنصات، نتكلم على عجالة لا يُفهم منا كلمة ولا تركيبة لجملة، مؤطرين بحروف تويتر، بفلاتر سناب شات، وتعليقات إنستقرام، متذبذبين مرة هنا ومرة هناك. لا أخفيكم علماً أو كماً عن المرات التي سقطت فيها بالفخ.! فالفضول وحب الاستطلاع لا يزالان في اعتقادي المحرك الأساسي خلف ذلك التعلق، جزءاً من طبيعتنا البشرية، كما أن مشاركة صورنا وأحداثنا اليومية مع الآخرين واستقبال إطراءهم أمر يبعث في النفس السعادة، ويحث على نشر المزيد وهكذا دواليك. فقد كشفت سلسلة من التجارب قام بها باحثون من جامعة هارفرد بأن مشاركة الإنسان لمعلوماته الشخصية مع الآخرين، إضافة إلى التحدث عن نفسه في شبكات التواصل الاجتماعي يحفز جزءاً من الدماغ مرتبط بالإحساس بالمتعة، وذلك أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي، وهي نفس المتعة التي يحصل عليها الإنسان من تناول الطعام أو الحصول على المال. ولعل تلك الدراسة نجحت في تفسير الكثير من الأسباب حول إدمان البعض وإقبالهم على شبكات التواصل الاجتماعي اليوم. التكنولوجيا مدهشة ووسائل التواصل الاجتماعي نعمة، مغبونون عليها، لا ننُكر عظيم فضلها فقد أبقتنا على اطلاع لمعرفة الأخبار العالمية والمستجدات المحلية، كما يسرت سبل التواصل والاتصال، أدنت القريب وقربت البعيد، وفرت الجهود وسلت الجموع، إيجابيات، ومميزات لاحصر لها. لكن يبقى السؤال كيف نستخدمها اليوم؟. هنا أضع بين أيديكم تجربتي لعلها تستقر في قلب فهيم أو عقل حكيم. منذ فترة ليست ببعيدة، كنت ممن يهدر وقته على تطبيقات التواصل تلك، فتمر الثواني والدقائق حتى تصبح ساعاتٍ طوال، وتمضي أيامي سراعاً دون قراءة لكتابٍ أو كتابة لمقال، كما بات الإحباط يتسلل إليّ كلما رأيت أحد مشاهير تلك التطبيقات يتنقل من بلدة لأخرى غير مكترث بعمل يقيده أو منشأة تحاسبه، ومن المضحك المبكي كيف كنت أنساق خلف الإعلانات وأتفاعل معها، لكن في نهاية المطاف أبشركم أعزائي القرّاء؛ عاد إليّ رشدي واتخذت قراراً أزعم أنه حكيم، وذلك بأن أقصر متابعتي على الأصحاب والأحباب، وأقصي من دونهم فلا إفراط ولاتفريط، وأن أكبح جماح رغبتي في تصوير ماحولي بأن أفتح عينيّ لمشاهدة الشروق والغروب، وذهني لفهم تفاصيل ما يدور، وقلبي للشعور بالحبور والسرور، فقليلٌ من هذا وذاك. فضلاً عن العمل على تعزيز مهارتي التواصل والإنصات، واستثمار وقتي في كل ما هو نافعٍ وباقٍ، فالوقت ثروة لاتقدر بثمن. وقد خرجت من تلك التجربة المفيدة، ولله الحمد والمنة، بقراءة أكثر من خمسة عشر كتاباً في مجال التنمية الذاتية "المجال الذي أحب"، وتأليف مايقارب العشرة مقالات والعمل على نشرها، والخروج من العزلة الاجتماعية إلى التعارف وتبادل الآراء والأفكار، والأهم من ذلك هو اقترابي من معرفة نفسي ورسالتي، وتحديد أهدافي وتقييم إخفاقاتي، فكما يقال "بالخبرة والممارسة، يصبح بإمكانك تقدير الوقت اللازم لإنجاز كل عملٍ أو مهمة". وبعد كل هذا وذاك أعزائي القرّاء هل نجحت في إيصال تجربتي لكم، وهل تمكنتم من تحديد علاقتكم بهواتفكم اليوم؟! Your browser does not support the video tag.