تربط المملكة والولاياتالمتحدة علاقات استراتيجية متينة عمرها أكثر من ثمانين عاما، إذ يعود اللقاء التاريخي الأول بين الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود والرئيس روزفلت إلى العام 1945 حيث كانت المملكة قد بدأت ببناء شراكاتها الاستراتيجية طويلة المدى، في حين كانت بعض الدول العربية حتى ذلك الوقت خاضعة للاستعمار ولم تنل استقلالها أو ترتسم ملامح دولتها بعد، وعكست طبيعة وخصوصية العلاقات بين البلدين الأهمية الكبرى والاحترام العميق الذي توليه الولاياتالمتحدة للمملكة، كدولة محورية على الصعيد الإقليمي والدولي، وكقوة اعتدال، تعكسها دبلوماسيتها المتزنة، وسياستها الحصيفة إما على صعيد قضايا وشؤون المنطقة، أو في إطار المسائل الدولية وقضايا الاقتصاد والطاقة، ومع دخول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض وصعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كصانع قرار ومهندس لسياسات المملكة تطورت العلاقات السعودية - الأميركية بشكل كبير، فبالإضافة إلى الرابطة التاريخية والعلاقة البروتوكولية المهمة بين البلدين، بتنا نرى في هذا العهد علاقة أكثر عفوية بعيدة عن التكلف مبنية على مشتركات كثيرة وإعجاب أميركي كبير بالتجربة السعودية الجديدة بعد أن فتح ولي العهد أبواب المملكة الكامنة على مصراعيها لتحقيق طموح الشباب السعودي وحجز مكانة متقدمة للمملكة بين الدول في مختلف القطاعات. وخلال ثمانية عقود شهدت العلاقات الوثيقة محطات جديرة بالتذكير. خادم الحرمين يستقبل ترمب لدى وصوله للمشاركة في القمة العربية الإسلامية الأميركية شراكة استراتيجية للقرن الجديد واصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- نهج والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الحكيم القائم على تعميق وتعزيز علاقات المملكة مع دول العالم، بما يحقق مصالح المملكة وبقية الدول دون المساس بثوابت وقيم المملكة. وزار الملك سلمان بن عبدالعزيز الولاياتالمتحدة العام 2015 بدعوة من فخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية، وناقش الزعيمان شراكة استراتيجية جديدة للقرن الحادي والعشرين، وكيفية تطوير العلاقة بشكل كبير بين البلدين، وقدم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، إيجازًا لفخامة الرئيس، اشتمل على رؤى المملكة حيال العلاقة الاستراتيجية. وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين وفخامة الرئيس توجيهاتهما للمسؤولين في حكومتيهما بوضع الآلية المناسبة للمضي قدمًا في تنفيذها خلال الأشهر القادمة. وأكد الملك سلمان قبل هذه الزيارة على اهتمامه البالغ بدفع التعاون الاستراتيجي السعودي الأميركي حول العديد من القضايا إلى الأمام، حينما وافق -حفظه الله- على مشاركة المملكة في قمة كامب ديفيد بولاية ميرلاند التي دعا إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في 13 مايو المنصرم، على الرغم من انعقادها بعد أحداث عملية «عاصفة الحزم» العسكرية التي جاءت لإنقاذ الشرعية في اليمن، والبدء في عملية «إعادة الأمل». روزفلت: خمس دقائق مع الملك عبدالعزيز عرفتني على المنطقة بالبحث في الأرشيفات الأميركية تجد اسم الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود بين أسماء عظماء حقبة الحرب العالمية الثانية من روزفلت إلى ونستون تشرشل وستالين. في العام 1945، أدرك الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت أهمية المملكة التي نظمت بيتها الداخلي في وقت مبكر بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، وانطلاقاً من تنبؤه بالدور المهم للمملكة في المستقبل قام بطل الحرب العالمية الثانية وأكبر المنتصرين فيها «الرئيس فرانكلين روزفيلت» بدعوة الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود لمشاركته في رحلته على متن السفينة الأميركية «USS Quincy» في قناة السويس وكان روزفلت حينها عائداً من اجتماع في مالطا ناقش فيه ترتيبت العالم الجديدة مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وستالين. قبل الملك عبدالعزيز الدعوة التي دارت فيها أحاديث طويلة عن الأهمية الاستراتيجية للمملكة بالنسبة لمستقبل المنطقة والاقتصاد العالمي.. كانت هذه الخطوة الحكيمة من الملك المؤسس كفيلة بوضع المملكة في المعسكر المنتصر انتصارا ساحقاً بعد الحرب العالمية الثانية ليضمن للمملكة قوة واستقرارا لعقود طويلة، حيث أثبت التاريخ أن الدول المنضمة للمحور الرابح في الحرب، صمدت ونالت نصيبها من التطور والعمران بينما كانت معظم الدول العربية وحتى دول آسيوية ولاتينية -نرى بعضها ينهار اليوم- قد ارتمت في أحضان النازية أو الشيوعية على أحسن تقدير في خطوات غير محسوبة ما تزال شعوب دول غنية تدفع ثمنها كليبيا والعراق وفنزويلا وكلها دول نفطية. وينقل أرشيف البيت الأبيض على لسان الرئيس روزفيلت قولا تاريخيا جاء بعد لقائه بالملك المؤسس حيث صرح للصحفيين «لقد عرفت عن الشرق الأوسط بالتحدث إلى الملك عبدالعزيز آل سعود لمدة خمس دقائق، أكثر مما عرفته من تبادل عشرات الرسائل مع زعماء المنطقة» أول ملك سعودي يزور أميركا في العام 1975 قبل الملك سعود دعوة من الرئيس أيزنهاور ليكون أول ملك سعودي يزور الولاياتالمتحدة.. ودامت هذه الزيارة ثلاثة أيام تم فيها مناقشة أهم قضايا الشرق الأوسط وكان أهم ما فيها عقد أول اتفاقية سعودية - أميركية لتعزيز قدرات الجيش السعودي. اللقاء الثاني كان ودياً بعد أن قطعت العلاقة الأميركية - السعودية شوطاً مهماً حيث زار الرئيس كينيدي، الملك سعود في مقر إقامته على ساحل بالم بيتش في فلوريدا ليطمئن عليه بعد أن علم عن تعرض الملك سعود لوعكة صحية.. واشنطن تحتفي بالملك المجدد حكم الملك فيصل المملكة في حين كان كل من ليندون جونسون وريتشارد نيكسون رئيسان لأميركا، وزار الملك فيصل الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس جونسون حيث يحتفظ أرشيف البيت الأبيض بكلمة جونسون الترحيبية بالملك فيصل والذي كان ينظر إليه في أميركا كملك مجدد وصاحب نظرة واعدة حيث قال جونسون موجهاً كلامه للملك فيصل «إن بلادكم، تحت حكم جلالتكم، خطت خطوات كبيرة إلى الأمام. بدأنا نرى الطرق المعبدة، وانتشار الأشغال العامة، والخدمات الصحية، والمدارس الجديدة - وفرص التعليم الجديدة للشباب والشابات في المملكة العربية السعودية - جميعها نتائج عملية لجهودكم التنموية النشيطة» مضيفاً «إننا نعيش في عالم التغيير، ومثلكم نحبذ التغيير بالطرق السلمية.» في عام 1971 زار الملك فيصل العاصمة الأميركية للمرة الثانية، للقاء الرئيس ريتشارد نيكسون. بعد ذلك بعامين قام الملك فيصل بخطوة شجاعة عززت الندية في العلاقة السعودية - الأميركية حيث قرر الملك فيصل وتضامناً مع الهجوم السوري - المصري الذي بدأ بمحاولة استعادة الجولان وسيناء وانتهى باقتراب القوات الاسرائيلية من دمشق ومحاصرتها واقترابها مسافة 101 كيلو متر من القاهرة، ليسارع الملك فيصل بالتدخل وقطع إمدادات النفط عن كل من يثبت دعمه لإسرائيل وأولهم الولاياتالمتحدة. بعد عام من قرار الملك فيصل زار الرئيس نيكسون المملكة حيث أطلق الملك فيصل أمامه خطبته الشهيرة التي دعا فيها لجعل عودة القدس إلى المجتمع العربي أولوية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. العلاقة السعودية - الأميركية تنتقل لمرحلة الشراكة حكم الملك خالد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - المملكة بين العامين 1975 - 1982. في العام 1978 التقى الرئيس جيمي كارتر في البيت الأبيض الملك خالد حيث كان لقاء ودياً بعد إجراء الملك عملية جراحية في الولاياتالمتحدة. فيما طور الملك فهد - يرحمه الله - خلال فترة حكمه التي دامت 23 عاما، علاقات متينة وودية مع ثلاثة رؤساء أميركيين هم الرئيس ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون. في العام 1985، دعا الرئيس رونالد ريغان الملك فهد إلى واشنطن بعد أربع سنوات من لقائه كولي للعهد، وفي العام 1990 زار الرئيس جورج بوش الأب مدينة جدة وأمر بمساندة القوات السعودية في مواجهة الغزو العراقي المهدد للكويت ومنطقة الخليج. في العام 1994؛ التقى الملك فهد بالرئيس الديمقراطي بيل كلينتون للمرة الثالثة والأخيرة، وكان عهد مهما بالنسبة للشراكة الاقتصادية بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية. تعاون اقتصادي وعسكري التقى الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بينما كان لا يزال وليا للعهد، الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في المكسيك، ووجه الأخير دعوة للملك فهد لزيارة واشنطن. وفي أغسطس 1990، استقبل فيه الملك فهد الرئيس جورج بوش الأب في جدة حيث كان هناك نحو 230 ألف جندي أمريكي تحت إمرة المملكة لمنع التهديد العراقي. وبعد إعلان المملكة العربية السعودية أنها سوف تنفق 6 مليارات دولار لاستبدال أسطولها من الطائرات التجارية بطائرات أمريكية، توجه الرئيس بيل كلينتون إلى المملكة للقاء الملك فهد، وسأل كلينتون الملك بأن يمنح العقد للشركة الأمريكية AT & T، كما خططت المملكة لتحديث نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية، وبعد فترة حصلت AT & T على عقد بقيمة 4 مليارات دولار، وبعد 4 سنوات أي في عام 1998. الصداقة تمضي قدماً التقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - عدة مرات مع جورج بوش الابن خلال فترة حكمه التي امتدت عشر سنوات. كما التقى الملك عبدالله بعدد كبير من الرؤساء الأميركيين السابقين وكبار السياسيين الذين أصبحت تربطهم علاقات صداقة مع المملكة، بمن فيهم هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية للعام 2016، ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس. والتقى الملك عبدالله بالرئيس أوباما حين زار المملكة في العام 2009. في العام 2015 غادر الرئيس أوباما واشنطن إلى المملكة لتعزية البلاد بالملك الراحل عبدالله ولقاء الملك سلمان. Your browser does not support the video tag.