أعلنت منظمة الشفافية الدولية _وهي منظمة مجتمع مدني مستقلة _ ما يعرف بمؤشر مدركات الفساد الخاص بالعام 2017وهو تقرير حول مستوى النزاهة والفساد في العالم، حيث شمل التقرير 180 دولة، ويركز التقرير على تصنيفين رئيسين للدول/ الأول: هو ترتيب كل دولة بين الدول التي شملها التقرير، والثاني:النسبة التي تحصل عليها الدولة في ميزان النزاهة والفساد، حيث تمثل النسبة 100% قمة النزاهة وتمثل النسبة 0% قعر الفساد. ونظرة عالمية شاملة على المؤشر ترينا أن نيوزيلندا حققت لأول مرة المرتبة الأولى بين دول العالم من حيث النزاهة، بعد أن كانت هذه المرتبة وقفاً على الدول الإسكندنافية لسنوات طويلة، كما ترينا أن الصومال جاءت في المرتبة السفلى، وأنه بينما حققت نيوزيلندا نسبة 89% من النزاهة، لم تحقق الصومال سوى نسبة 9%، ومن ناحية أخرى يرينا المؤشر أن الفساد يطغى على معظم دول العالم، بدليل أن الدولة الأولى في النزاهة، وهي كما ذكرنا نيوزيلندا لم تحقق سوى نسبة 89% من معدل النزاهة، أي أنه لا يوجد دولة خالية من الفساد تماما، وأن أكثر من ثلثي عدد الدول جاءت معدلاتها في النزاهة أقل من 50%، وهو وضع مؤسف يتكرر في تقرير منظمة الشفافية ويدل على أن محاولات تلك المنظمة التي نذرت نفسها لتحسين مستوى الشفافية والنزاهة في العالم لم تفلح في تحفيز معظم الدول ودفعها لمكافحة الفساد بصورة ملموسة، كما لم تفلح الجهود الدولية الأخرى المتمثلة في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والاتفاقيات الإقليمية المماثلة، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمات الدولية الأخرى في كبح معدلات الفساد المتنامية. أما عندما نلقي نظرة عربية على المؤشر فسنزداد حزناً وألماً على حال النزاهة المتقهقرة، وما وصلت إليه معدلات الفساد، وأنه رغم تحسن ترتيب بعض الدول في المؤشر عما كانت عليه في العام السابق مثل المملكة العربية السعودية التي جاءت في الترتيب 57 بين الدول وبنسبة 49% في معيار النزاهة، بعد أن كانت في الترتيب 62 في العام السابق، بيد أنها سبق أن حققت مركزا أفضل في العام 2014 وهو 55، وهناك دولة الإمارات العربية المتحدة التي حققت الترتيب 21 بعد أن كانت في العام السابق 24، ومن ناحية أخرى بلغ المعدّل العام للدول العربية في ميزان النزاهة 33% فقط، مقارنة بالمعدل العالمي وهو 43%، ويلفت النظر أن هناك ست دول عربية احتلت ذيل القائمة بين دول العالم هي: العراق وليبيا والسودان واليمن وسورية والصومال، حيث يتراوح معدل النزاهة فيها بين 9%و 18%. ولتأكيد ما عنونت به المقال من أن الفساد يطغى فإنه لا يوجد أثر إيجابي لجهود الدول ذاتها في مكافحة الفساد، وتبقى جهود المنظمات قاصرة عن الإلزام بالامتثال لها، أو الالتزام بالإفادة منها من جانب الدول، لأن المنظمات عادة لا تملك أي سلطة في هذا المجال، وغنيّ عن البيان أن استشراء الفساد يكرس الفقر والمرض والبؤس في العالم وهو ما يقوّض أسس العدالة الاجتماعية، وذلك بسبب ذهاب الجزء الأكبر من المساعدات والتبرعات والأموال المخصصة لمكافحة تلك الظواهر إلى جيوب المنتفعين، مع ضعف وسائل المتابعة والمراقبة لصعوبة توثيق إجراءات وصولها لأهدافها. *رئيس هيئة مكافحة الفساد سابقا Your browser does not support the video tag.