يثبت بوتين كل يوم للعالم أن روسيا عادت، وإن كانت لا تملك الوسائل والقدرات التي تمتلكها الولاياتالمتحدة إلا أنها تملك الإرث السياسي، والحكم المطلق المتمركز بيد بوتين، وعدم وجود تنافسية على الحكم أو رقابة على الكرملين، الأمر الذي مكّن موسكو من اللعب على أوتار الأزمات التي تواجه الولاياتالمتحدة. قبل أشهر أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمتانة العلاقة بين حلفاء الناتو مرجعاً الفضل في هذا لنفسه حيث قال "حلفاء الناتو متقاربون في عصري أكثر من أي وقت مضى".. إلا أنه سرعان ما تغيرت الحقائق التي أغفلتها وجهة نظر الرئيس ترامب المتفائلة لتصبح العلاقة مع تركيا الأكثر ازعاجاً للجانب الأميركي حيث صرح وزير الخارجية الأميركي تيلرسون الأسبوع الماضي بأن العلاقة بين البلدين وصلت لنقطة متأزمة. وتقع واشنطن بالعلاقة مع تركيا بين نارين فمن باب يريد ترامب أن يتمسك بوجوده في سورية رغم كل المصاعب ليرسم صورة جديدة مختلفة لإدارته عن الصورة الهزيلة التي رسمتها إدارة سلفه أوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ومن جهة أخرى لا تريد الإدارة خسارة حليف كتركيا لتخرج بأبهى صورة دبلوماسية بعد سنوات حين يحين موعد تقييم عمل إدارة ترامب، حيث تعتبر تركيا حلفاء أميركا الوحيدين في سورية "قوات سورية الديموقراطية" ألد أعدائها ما دفع أنقرة لاستفزاز واشنطن بعقد صفقات مع إيرانوروسيا لإبعاد نفوذ حلفاء أميركا. وبحسب صحيفة الوول ستريت جورنال فإن اللقاءات المكثفة عالية المستوى بين مسؤولين أتراك وأميركيين الأسبوع الماضي لم تركز على عفرين بالقدر الذي ركزت فيه على محاولة وقف تركيا من التورط بعلاقات أعمق مع روسياوإيران، حيث أخبر مسؤولون أميركيون الجانب التركي أن ما يفعلوه من تقارب مع إيرانوروسيا ليس في صالح تركيا، كما تعتبر الولاياتالمتحدة بيع روسيا منظومة S400 لتركيا اختراقاً صارخاً لحلف الناتو ومحاولة لخلق شرخ فيه. وكان الرئيس التركي أردوغان قد أجرى محادثات مع الرئيس الروسي بوتين وروحاني اتفقا فيها على اجتماع عالي المستوى في وقت لاحق من هذا العام لمناقشة الصراع في سورية ورسم خطوطه المستقبلية. ومن خلال اللقاءات الأميركية - التركية الأخيرة، حاولت أميركا بكل الطرق استرضاء تركيا فيما يتعلق بالدعم الأميركي للأكراد في سورية حيث اقترح مستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر إقامة مراكز مراقبة مشتركة تركية-سورية على الحدود لمنع المقاتلين الأكراد من أي تعدٍ على الجانب التركي مع ضمانة أميركية بعدم قيامهم بأي تحرّك ضد تركيا الأمر الذي رفضته أنقرة. من جانب آخر كان موقف واشنطن متشدداً حيال تسليح ودعم مقاتلي "قوات سورية الديموقراطية" التي قادت الحملة الناجحة لدفع تنظيم داعش بعيداً عن عاصمته "الرقة"، الأمر الذي كان بمثابة هدية لإدارة ترامب في بداية عهدها حيث أرجع ترامب النصر في الرقة لحنكته في السياسة الخارجية وبالتالي لن يكون مستعداً في وقت قريب للتخلي عن جماعة أنفقت أميركا عليها ملايين الدولارات لتحقيق هذه الانتصارات، خاصة أن سياسة ترامب الخارجية منذ الأيام الأولى لحملته قامت على لوم إدارة أوباما على الانسحاب من العراق الذي أعاد الفوضى إليه. وبحسب الوول ستريت جورنال فإن الولاياتالمتحدة طلبت مراراً من تركيا تحديد جماعات جديرة بالثقة لدعمها في سورية الا أن تركيا فشلت على مدى ست سنوات في تشكيل جماعة واحدة معتدلة جديرة بالدعم، كما تقول تقارير وزارة الدفاع الأميركية إن تركيا احتضنت على حدودها الجنوبية الغربية وتحديداً في إدلب أكبر منطقة حيوية اتخذت القاعدة منها مركزاً لها على مدار التاريخ. وبحسب مسؤول أميركي فإن تركيا كانت قادرة كعضو في حلف الناتو وكدولة إسلامية جارة لسورية أن تلعب دوراً إيجابياً جداً في الصراع، حيث أفسحت أميركا مجالاً كبيراً لتركيا لاختيار القادة المناسبين من الجماعات الكردية والعربية إذ تحرص أميركا على تركيز قادة عرب في المناطق ذات الغالبية العربية، إلا أن تركيا لم تفعل.. مضيفاً "لا يمكننا أن نبتعد ببساطة عن قوات سورية الديموقراطية بعد بذل كل هذه الجهود وبعد خمس سنوات من البحث المضني عن جماعة ليست إيرانية ولا متطرفة تستحق الدعم في سورية". Your browser does not support the video tag.