قللّ خبراء وسياسيون من قيمة ما يحدث بين إيران وإسرائيل في الجولان السورية، مؤكدين أنها مجرد مناوشات عسكرية يحاول النظام الإيراني استغلالها لتضليل الداخل الإيراني الغاضب من إنفاقاته الخارجية، بالإيحاء بأن تدخله في سورية جاء من أجل مواجهة إسرائيل. وأوضح الخبراء أن المناوشات تأتي أيضاً بارتياح روسي، في وقت تحاول خلاله موسكو إشعال مواجهة إيرانية - إسرائيلية خفيفة، في إطار مسعاها لتحجيم النفوذ الإيراني على الأراضي السورية، بعدما زاد تأثير طهران السياسي على نظام الأسد، وكذلك الانتشار العسكري للميليشيات الإيرانية في سورية. وكانت إسرائيل قد أعلنت عن إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار اقتربت من أهداف إسرائيلية، وضرب مواقع عسكرية إيرانية في سورية تباعا لذلك، فيما أقدمت قوات دفاع جوي في سورية على إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز (إف 16)؛ مما دفع تل أبيب لإعلان حالة الطوارئ على الحدود السورية. تضليل الداخل الإيراني وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور محمد مجاهد الزيات ل"الرياض"، إن توقيت المناوشات بين إيران و"حزب الله" وبين إسرائيل يتزامن مع الاحتجاجات في الداخل ضد النظام الإيراني وصمة الإرهاب التي تلاحقه إقليمياً ودولياً؛ مما جعله يتوجه للمناوشة مع إسرائيل في محاولة لمخاطبة الداخل الإيراني على أنه يحارب الإسرائيليين بالدرجة الأولى، وذلك دعماً لشعاراته الكاذبة، كما يحاول أن يقول كذباً إن وجوده في سورية، وما أنفقه من مليارات -وهذا مسار تساؤولات لدى قطاعات شعبية إيرانية كبيرة- لم يكن عبثاً، ولكن لمساندة سورية، ولعلنا نذكر الحديث الذي جرى على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني بأن الوجود العسكري الإيراني موجود من خلال قوات الأسد، ويقصد هنا أن طهران تمتد إلى هذه المناطق بصورة أساسية، ودعم هذه الجيوش ضرورة للأمن الإيراني، وهي رسالة يحاول أن يوجهها للداخل الإيراني. وأوضح الدكتور الزيات، أن الحديث تزايد خلال الأيام الأخيرة عن تمركز إيران في مواقع عسكرية جديدة في المناطق القريبة من الجولان وحول دمشق وريفها، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديداً لأمنها، رغم وجود ما يشبه اتفاقية بين إسرائيل ونظام الأسد بأن تسمح روسيا أو تغض النظر عن أي تصرفات إسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني، طالما لن يمس بصورة إستراتيجية القدرات العسكرية لنظام الأسد. وأكد أن ما يحدث في الجولان محاولة من إيران للمناوشة مع إسرائيل من خلال طائرة بدون طيار حلقت فوق المناطق المحتلة، موضحاً أن إسرائيل اعتبرتها تجاوزاً للسقف المسموح به؛ فقامت بضرب أحد المواقع العسكرية للميليشيات الإيرانية، فيما أسقطت دفاعات جوية من الداخل السوري طائرة إسرائيلية من طراز (إف 16) بما أزعج إسرائيل، وجعلها ترفع حالة الطوارئ، واضطرت أن تدمر عدداً من المواقع العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية. وأضاف: "إيران وحزب الله خططا لجّر إسرائيل إلى حرب برية، استعد لها حزب الله جيداً، بعدما جمع قواته من مناطق الاشتباكات التي تم تبريد الصراع فيها في مناطق خفض التوتر، ولم يعد هناك مناطق تشهد اشتباكات يشارك فيها عناصر حزب الله إلا مجموعات بسيطة في ريف حماة وإدلب فقط، لكن غالبية عناصر الحزب من الرديف، والمشاركون لنظام الأسد أصبحوا بصورة مكثفة في منطقة ريف دمشق، وامتداد المنطقة من غرب دير الزور حتى الحدود اللبنانية، وهو تغيير لقواعد الاشتباك التي كانت قائمة في الفترات الماضية". وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن الرد الإسرائيلي جاء شديداً؛ ليوجه عدة رسائل إلى إيران بأن إسرائيل لن تسمح بتمركز عسكري مؤثر داخل سورية، وكذلك رسائل إلى حزب الله بأن الجيش الإسرائيلي لن ينجر إلى حرب برية، لكن يملك أذرعا قوية تستطيع تحقيق الأهداف الخاصة بإسرائيل في سورية. الاستثمار في المشهد السوري من ناحيته، ذكر أستاذ العلوم السياسية، والمحلل السياسي الأردني الدكتور زيد النوايسة، أن إسرائيل تريد توجيه رسائل لإيران و"حزب الله"، لكنها لن تستطيع أن تذهب في حرب طويلة، وستستمر الضربات الخاطفة؛ لمنع تواجد إيراني فاعل ومؤثر يسمح بتمكين "حزب الله" أو حركة حماس في المنطقة، كما أنها لن تقدم على حرب طويلة وشاملة. وأوضح الدكتور النوايسة أن إيران تستغل المناوشات العسكرية مع إسرائيل في تدعيم دعايتها الأيديولوجية والسياسية. وأكد أن إيران وتركيا طرفان إقليميان لهما حساباتهما العسكرية والسياسية، موضحاً أن كلاً منهما يسعى للاستثمار في المشهد السوري المُعقد، مشيراً إلى أن سورية أصبحت دائرة اشتباك دولي وإقليمي والجميع في مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بحل الصراع في سورية. روسيا تحجم إيران وفيما يخص الموقف الروسي من المناوشات الإيرانية الإسرائيلية، أكد البروفيسور بجامعة نيجني نوفجورود الحكومية الروسية الدكتور عمرو الديب ل"الرياض"، أن روسيا موقفها واضح فيما يخص الأحداث بين إسرائيل وإيران، موضحاً أن الموقف الروسي يتبلور في عدم ممانعتها لقيام مواجهة إسرائيلية - إيرانية محدودة في الجنوب السوري، تخدم مصالح موسكو، مضيفاً أن نظام الدفاع الجوي السوري الذي أسقط الطائرة الإسرائيلية، مرتبط بقيادة الدفاع الجوي الروسية في قاعدة حميميم. أما الخبير في الشؤون الإيرانية والباحث المتخصص في العلاقات الدولية محمد محسن أبو النور، فقال إن إيران وإسرائيل لديهما في الفترة الحالية تفاهمات كبيرة جداً في الأزمة السورية، وضمانات بوساطة روسية في عدم تجاوز إيران للخطوط الحمراء، لكن الواضح أن إيران تخرق هذه الخطوط بنيتها في إرسال الميليشيات التابعة لها في سورية إلى مناطق قريبة من الجولان، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به إسرائيل. وأكد الباحث أبو النور، أن إيران تعمل بوتيرة سريعة جداً؛ لإنشاء مراكز قوى، وقواعد مهمة داخل الأراضي السورية، تكون بمثابة محطات للإمداد اللوجيستي والعسكري لميليشياتها وأبرزها "حزب الله"، مشيراً إلى أن هذه التحركات جعلت إسرائيل تريد تخفيض النفوذ الإيراني في سورية، من خلال تفاهمات إسرائيلية - روسية تسمح لتل أبيب بقذف مواقع حيوية في دمشق، من منطلق أن موسكو هي التي لها اليد العليا الآن في سورية. واعتبر أن روسيا لا تمانع وجود بعض المناوشات الإيرانية - الإسرائيلية؛ للحد من النفوذ الإيراني في سورية، موضحاً أن روسيا ترى أن بشار الأسد أصبح أكثر ميلاً للاعب الإيراني، وابتعد نوعاً ما عن اللاعب الروسي، إضافة إلى مخالفة الميليشيات الإيرانية لتموضعها في سورية، وتمسك طهران بنظام الأسد في سورية، مشيراً إلى أن النظام الإيراني هو الآخر له مصلحة في مناوشة إسرائيل، من أجل محاولة فض التوازنات في سورية، وإخراج اللاعب الروسي الكبير. وأضاف الباحث في الشؤون الإيرانية، أن ما يحدث في الجولان لن يتطور، وسيقف عند مجرد غارات إسرائيلية على بعض الأهداف الإيرانية وأخرى تابعة لقوات الأسد على الأراضي السورية، وأن روسيا أصبحت لا تريد إيران ولا تتمسك كثيرا ببشار الأسد في سورية. في غضون ذلك، تزداد حدة الخلاف بين المصالح الروسية والإيرانية في سورية التي أصبحت مباحة للجميع بسبب سياسات نظام الأسد، حيث كشفت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية عن مساعٍ روسية حثيثة لتحجيم نفوذ إيران وميليشياتها في سورية؛ لتخفيف الأعباء عن موسكو، وكذلك خطورة النفوذ الإيراني على الأرض السورية، والتأثير الإيراني الكبير على نظام الأسد. كما يأتي ذلك بعد التملص الإيراني من التوجه الروسي لضم القوات والميليشيات الإيرانية إلى قوات الأسد رسمياً وتحت قيادة روسية، لكن إيران تخوفت من أن روسيا تحاول كسر الظهير العسكري لطهران الذي يوازي الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، بما يجعل النظام الإيراني يخسر المليارات من الأموال السياسية التي وظفها في سورية. Your browser does not support the video tag.