كانت جزيرة العرب فيما مضى تعج بالبدع والخرافات، وتسودها العصبية القبلية التي لم تورث إلا الدمار والتفرقة.. وبرحمة من الله فقد أغاثها بالحكم السعودي الذي وحدها تحت راية التوحيد وجمع كلمتها على ما يرضي الله حيث نبذ أسباب الشتات وأولها ذلك التعصب القبلي. ولكن في وقتنا الحاضر، ومع بالغ الأسف تعود إلينا من جديد آفة (التعصب القبلي)، وفي ثوبها الجديد تزينها الشيلات وتدعمها المعازف، إذ يترجل أحدهم ويعلو المنبر ليفخر بشيء لا فضل له فيه، ويوحي من خلال قصائده أنه ابن قبيلة، وأن قبيلته هي أم القبائل وأن أنسابه وأجداده هم صفوة الخلق ليضج المكان بالتصفيق وهتاف المجاملات، عندها.. ويستمر النزاع بين سفهاء القبائل في هذا المجال ويكثر التفنن في شيلات التعصب القبلي الذي أصبح ظاهرة مقيتة، ولسان حالهم يقول: مللنا حياة الأمن والعيش الرغيد.. ويشتد خطرها إذ تكون في بيئةٍ خُصصت للتعليم إذ تحتل حيزاً كبير في الحفلات المدرسية لا سيما أنها شغلت ساعة النشاط الإضافية المستجدة مؤخراً.. ولا أبالغ إذا اعتبرنا أن هذه الظاهرة قنابل موقوتة تهدد وعي مجتمعنا وتورثه القطيعة وتلوث ثقافته وتطمس هويته الإسلامية وتعيده إلى حُطام الجاهلية الجهلاء، ولا أعتقد أن أمة تعتبر التفاخر القبلي أولى اهتماماتها ستتقدم ولو بخطوة واحدة نحو المجد، ولن تقود أي حضارة أو إنجاز واختراع، ولن تبدع في مجالات العلم المختلفة، وما نهى الإسلام عنه إلا لحكمة فعندما هتف المهاجرون يا للمهاجرين، وهتف الأنصار يا للأنصار.. عندها غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زاجراً ناهياً: (أتدعون بدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها مُنتنة) فكيف ينهى عنها الصادق الأمين ونحن نأخذها، خصوصاً أننا لسنا مهاجرين ولا أنصار، هذا وقد انتسب نبينا إلى أشرف القبائل، ومع ذلك لم يمتدحه الله بنسبه وإنما قال: (وإنّكَ لعَلى خُلُق عظِيم). لا أذم القبلية ولا أعني أن يتجرد أحدٌ من نسبه ولكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، ونحن عرب لدينا موروثنا الشعبي وتقاليدنا الأصيلة يجب أن نأخذ منها ما يتوافق مع قيمنا الإسلامية.. ونصيحتي لأولي الألباب أن يتحرك الوعي بهذا الشأن ويُحذر الشعراء والكُتّاب وتمنع منعاً باتاً في مدارسنا، وليكن الشعب السعودي يداً واحدة وصفاً شامخاً في وجه كل ما من شأنه تفريق الصف وتمزيق اللحمة الوطنية، ونفخر بديننا الحنيف ونعتز بهويتنا الإسلامية فكل فخرٍ بغيره هباء.. وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). Your browser does not support the video tag.