الأمم ذات الأصالة والتاريخ الممتد عبر العصور, يجدُ تراثها وثقافتها مكانًا لائقًا من الاهتمام والعناية, وتضعُ ذلك التراث وتلك الثقافة في أماكنها المستحقة, وتُباهي بها أمامَ الأمم وتعرضها للتاريخ ليعرف أبناؤها حضارة آبائهم وأجدادهم, وكذلك يعرف الآخرون, فالحفاظُ على التراث والثقافة حقٌ من حقوق الإنسان سواءٌ كانوا أحياءً أم أمواتًا, فمثلما للأحياء حقٌ بأن يعرفوا تراثهم, فللأموات حقٌ أن يُعرف ما قدموا وما بذلوا, فالتراثُ والثقافة توأمان لا ينفصلان, فلا تراثَ بلا ثقافة ولا ثقافةَ بلا تراث, ولذا أُنشئت من أجلهما دارة الملك عبدالعزيز -رحمة الله عليه - والتي من أهدافها تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية، وطبعها وترجمتها، وتاريخ وآثار الجزيرة العربية والدول العربية والإسلامية بشكل عام. ومن أجل ذلك أُقيم المهرجان الوطني للتراث والثقافة والذي يشكل أنموذجًا فريدًا يُعرضُ من خلاله التراث الوطني والثقافة الوطنية للمملكة العربية السعودية في إطارٍ يكادُ يكونُ متفردًا من حيث العرض والأداء, فمن أهدافه إيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية, والحث على الاهتمام بالتراث ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال, وتشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات كالصبر وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات لتدعيمها والبحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة, والعمل على التعريف بالموروث بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية. كما أن سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية والتي هي "الخطوط العامة التي تقوم عليها عملية التربية والتعليم أداءً للواجب في تعريف الفرد بربه ودينه وإقامة سلوكه على شرعه وتلبية لحاجات المجتمع وتحقيقًا لأهداف الأمة", أكدت في مادتها الثامنة عشرة على "الارتباط الوثيق بتاريخ الأمة وحضارة الدين الإسلامي والإفادة من سير الأسلاف ليكون ذلك نبراساً للحاضر والمستقبل", وهذا ما أكدته المادة الثامنة والأربعون أن "على التعليم أن يبصر الطلاب بما لوطنهم من أمجاد إسلامية تليدة وحضارة عالمية إنسانية عريقة ومزايا جغرافية وطبيعية واقتصادية, وبما له من مكانة وأهمية بين أمم الدنيا", وما إقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة إلا تأكيد على ما جاء بالنظام الأساسي للحكم في مادته التاسعة والعشرين على أن "ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة، وتعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي والعربي، وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية". ولقد تسابقت كل إمارات المناطق والوزارات والهيئات في إبراز ما لديها من إرثٍ ثقافي لتعرضه في أجمل حلة. وهيئة حقوق الإنسان لها قصب السبق في تبؤ مكان بالمهرجان عرضت فيه مطبوعاتها والتي منها حقوق الأيتام, واللقطاء في الإسلام, والعنف الأسري, والحقوق العامة في الإسلام, والعنف الأسري تجاه الأطفال, ومجلة حقوق الإنسان, ونشرة حقوق الإنسان، ومجلة (بشر) التي تصدر عن الأمانة العامة للاتجار بالبشر بهيئة حقوق الإنسان، وكذلك مجلة حقوق الأطفال, والبروشورات متعددة الموضوعات والقضايا. كما خصصت لها قسمٌ لتلقي الشكاوى أو الملحوظات ووجهات النظر, وتقوم بالتعريف بما للإنسان من حقوق وواجبات وبالأخص حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة, وحقوق المرأة والطفل, والمسنين, وحقوق المرضى والعمال, والتعريف بالهيئة وفروعها المنتشرة بكافة المناطق وذلك تحقيقًا لرسالتها ورؤيتها المتمثلتين في تحقيق المبادرة والريادة وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في جميع المجالات وفقًا للمعايير الدولية, ونشر الوعي بها, والإسهام في ضمان تطبيقها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية, ومن أهمها الحفاظ على التراث ونشر الثقافة. وما تشريف خادم الحرمين الشريفين لافتتاح المهرجان الوطني للتراث والثقافة إلا دليلٌُ راسخٌ على اهتمام المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا بالحفاظ على التراث والثقافة إذ هما من المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الحضارات, وهذا ما أكده -يحفظه الله- في قوله "أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة يجسّد تراث المملكة وثقافتها". Your browser does not support the video tag.