زرت اليابان خمس مرات ورأيت فيها الكثير مما يثير الإعجاب والتعجب.. فمما يثير الإعجاب عدم ازدحام الشوارع (رغم وجود 35 مليون ياباني في طوكيو) وعدم سماعي لأي أصوات مزعجة (كون الحديث بصوت منخفض ووضع الجوال على الصامت من علامات الأدب هناك).. ومما يثير التعجب تعلق اليابانيين بشخصيات الإنمي والمجلات الهزلية لدرجة يوجد شارع كامل مخصص لها يدعى أكيهيبارا (حيث يتجول البعض بالملابس الخاصة بها).. توجد لها مكتبات ضخمة ومقاهٍ متخصصة وشركات إنتاج لا تقل عن ديزني في أميركا.. كتبها ومجلاتها تشكل 81 % من مجمل ما يقرؤه اليابانيون الذين لا يتحرجون من مطالعتها بصرف النظر عن السن ومستوى التعليم.. الياباني في القطار لا يرى ما حوله لأنه إن لم يكن نائماً يكون يطالع كتاباً كرتونياً أو يتابع مسلسل إنمي.. ومن خلال الأغلفة الخارجية للكتب (التي رأيتهم يحملونها) استنتجت أن حتى الكتب الجادة (عن الاقتصاد مثلاً) تصدر أيضاً بنسخ كرتونية رديفة تجعلها سهلة الفهم ومحببة للقلب.. هذا في اليابان؛ البلاد التي اخترعت الإنمي.. أما في أميركا (البلاد التي اخترعت أفلام الكرتون) فأجرت محطة ديزني للأطفال استطلاعاً للرأي بين الآباء والأمهات أثبت أن 29 % من الرجال يستمتعون بمشاهدة أفلام الكرتون في حين ترتفع النسبة إلى 34 % بين الأمهات و47 % بين المطلقات والعاطلين عن العمل. وما يبدو لي أن مشاهدة أفلام الكرتون تعيدنا إلى زمن البراءة وذكريات الطفولة الجميلة - وأعترف شخصياً بحبي لنقار الخشب وعدم مللي طوال الأربعين عاماً السابقة من مطاردة توم لجيري.. أما من حيث الأسبقية؛ فالكرتون بلا شك سبق الإنمي.. فالرسومات الهزلية ظهرت قبل ألف عام حين كانت الوجوه البشرية ترسم على الجدران والأشجار واللوحات الإعلانية.. ثم دخلت عالم الطباعة والتوزيع عام 1843 حين نشرت مجلة بنتش البريطانية أول قصة كرتونية نفذها رسام يدعى جون ليتش.. وفي عام 1877 قدم الفرنسي تشارلز املي أول عرض كرتوني صامت باستعمال البريجكتور.. غير أن الأفلام الكرتونية الحديثة حققت قفزة نوعية في أميركا بسبب انتشار التلفزيون وظهور شركات ضخمة مثل والت ديزني، ووارنر برذرز التي أنتجت مسلسلات خاصة بالأطفال وابتكرت شخصيات كرتونية ما زالت موجودة حتى اليوم. أما الإنمي فهو النسخة اليابانية من أفلام الكرتون.. وتعود بداياته الأولى إلى عشرينات القرن الماضي حين بدأت الأستديوهات اليابانية تحاكي الأميركية في إنتاج الرسوم المتحركة.. غير أن الأسلوب الياباني بدأ يستقل بالتدريج ويأخذ شخصية وطابعاً خاصاً.. وفي عقد السبعينات أصبح الإنمي الياباني منفصلاً تماماً عن أفلام الكرتون الغربية.. وفي الثمانينات أصبح يعرض (مدبلجاً) في دول كثيرة حول العالم.. غير أن اختراع اليابانيين للإنمي لا يعني عدم براعتهم في إنتاج أفلام كرتونية حققت بدورها نجاحاً عالمياً مدوياً (مثل المسلسل الشهير عدنان ولينا المقتبس من رواية المد العالي للكاتب الأميركي الكسندركي).. بقي أهم سؤال في الموضوع: ما الفرق بين الكرتون والإنمي؟ وما أبرز نقاط الاختلاف والاشتراك بينهما؟ وهذا ما سأحاول الإجابة عليه غداً. Your browser does not support the video tag.