لو قامت وزارة النقل بإقالة أحد مسؤوليها بعد كل حادث تسببت فيه رداءة الطرق أو ضعف صيانتها، لما تبقى موظف واحد في الوزارة. لا يمكن لقرار مثل هذا إعادة الأحبة المفقودين أو حتى التخفيف من الحزن العميق لدى من فقدوهم. فهنا تبدو المسألة وكأنها عبارة عن إبرة مخدرة للتهرب من المسؤولية، أو مبادرة استباقية لحماية كرسي أكبر من تحمل تبعات الفشل في توفير منظومة طرق آمنة ومتكاملة على امتداد الوطن على الرغم من المليارات التي تصرف كل عام من أجل تحقيق ذلك. ما حصل في جازان مؤخراً من مأساة خلفت سبع ضحايا من عائلة واحدة لهو تكرار لما نشهده يومياً على طرقاتنا من حوادث كان من الممكن تفاديها لو أننا فرضنا رقابة صارمة على الطريقة التي تنفذ بها مشروعاتنا وما يعقبها من عمليات ترميم بدائية جعلت بعض شوارعنا أشبه بخرقة بالية غير قابلة لهذا الكم من (الترقيع). ماذا كان سيحدث لو أن صيانة الطريق الذي وقعت فيه مصيبة العائلة المكلومة تمت قبل الحادث، لا بساعات بعده، هل كان سائق شاحنة النقل سيتفادى هذه الحفرة التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ هذا المكان ليصطدم بسيارة مليئة بالأمل ليحطم أحلام ستة أبناء وأمهم ويترك أباهم للحزن؟ لقد خذلناهم.. كما خذلنا من راح قبلهم ضحية لهذه الطرق التي أصبحت تجعل مرتاديها في مواجهة مع الخوف كل يوم. إذا كان ما حدث مع هذه العائلة غير كاف للقيام بمراجعة شاملة لبيئة النقل البري لدينا في المملكة، فكم شهيداً سنحتاج لنتحرك بجدية بدل أن نشكل لجان تحقيق للتوصل إلى ما نعرفه من حقائق أو نتسرع في إقالة موظفينا بسبب أخطاء تتكرر في كل منطقة ومدينة، وكم شارعاً ظهرت عليه علامات الزمن وتجاعيد الإهمال سننتظر وقوع مأساة فيه لنقوم بمنحه عملية تجميل سرعان ما ستزول بمجرد تراجع ذاكرتنا التي يبدو أنها شاخت عن أن تتذكر ما وقع سابقاً من حوادث كانت أشد إيلاماً وأكبر حصيلة في عدد الضحايا. لن تجد لدى وزارة النقل طريقاً واحداً باسم (شارع الموت) لكنك إن فتشت بين الناس ستجد لدينا على امتداد الوطن أكثر من شارع اشتهر بهذا اللقب، اسمعوا شكواهم فهم الأقرب للواقع والمرآة الحقيقية لاختبار جودة هذا المسار الحتمي الذي يربط بينهم وبين أرزاقهم، وبينهم وبين عائلاتهم في هذه الرحلة اليومية المحفوفة بالمخاطر. نحن في حاجة ملحة إلى إنشاء برنامج وطني عاجل لمراجعة المنظومة بأكملها وليس فقط إلقاء اللوم على مدير أو مقاول، أو حتى حفرة وجدت نفسها شماعة علقنا عليها فشلنا وجعلنا منها السبب في واحدة فقط من أسوأ مآسينا. Your browser does not support the video tag.