دعونا ندرك الفرق بين معرفة الأمن والوعي به، هناك فرق بين أن تعرف الشيء وبين أن تعيه، والوعي هو أن ترى الأشياء على حقيقتها المطلقة، وتعرف تفاصيلها وعواقب غيابها، من هنا نستعرض نتائج غياب الأمن وفقدان الاستقرار في المجتمع، فعندما يغيب الأمن يغيب معه كل شيء، يتعطل التعليم والصحة والعمل، وتنقطع الرواتب والأرزاق، وتدخل الدولة في حالة الشلل التنظيمي، ويكون اهتمام الإنسان حينها: كيف ينجو من الموت؟ لنتحدث بلغة بسيطة: من المسؤول عن غياب الأمن؟ مما لا شك فيه أن هذه المسؤولية تقع على ركنين دون غيرهما: المواطن والحكومة، وعندما نقول الحكومة فيجب أن نفرق بين الحكومة والدولة التي هي الكيان الجامع لكل الأركان. نبدأ بالمواطن فنقول: إن أهم مسؤولياته تجاه أمن واستقرار وطنه، ينطلق من أهمية الأمن في الإسلام الذي جعله ركناً أساسياً في الحياة، من هنا جاء الالتزام التام بمفهوم البيعة بالسمع والطاعة، والتي لا تكون فقط بالقول، بل بالالتزام بكافة الأنظمة، ثم علينا أن ندرك كمواطنين أننا الآن في مرحلة تحول جديدة بسبب ظروف مالية عالمية شملت الجميع، وعلينا أن ندرك أن الوضع اختلف، ويجب أن نكيف أنفسنا معه، ونصبح منتجين وليس فقط مستهلكين، ونعي الادخار مهما قل، ونضع البدائل لكل شيء، ونلغي بعض الكماليات غير الضرورية، لنكن إيجابيين وندرك أننا الآن على جسر العبور من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة، علينا التحلي بالصبر لنعبر عنق زجاجة التحول وننعم بخيره، ولا نجزع ونيئس ونستمع لأعدائنا المتربصين بنا من كل جانب، مستخدمين وسائل الاتصال وغيرها. ثم إن أمن وطننا واستقراره، ليس طرفة نتداولها بالدعابات، علينا أن نعي جيداً أن تداولنا لكثير من الأخبار والطرفات غير الموثوق مصدرها، إنما هو عمل بالمجان لدى تلك العصبة من الدول والمنظمات التي تأمل وتتمنى تضليلنا، ونحن نعبر جسر التحول، تدعونا بإعلامها إلى الفوضى في عقر دارنا لتفتك بنا، لنتعلم بذكاء وفطنة ألا نصدق كل ما نسمع. أما ما يتعلق بواجب الحكومة، وهي الركن الرئيسي الثاني، فنقول موجهين كلامنا لحكومتنا الرشيدة، وإن كنا نقطة في بحر معلوماتكم، ولكن نخاطبكم من باب لتطمئن قلوبنا: أول ناقوس خطر ندقه للحكومة هو الأسرة السعودية، وأهمية الاهتمام بها كأهم مؤسسة وطنية لدينا، وتحصينها (ديناً ودنيا)، وأهم عمل لمعالجة أسباب تفكك الأسرة السعودية، هو ضرورة المحافظة على مساحة الطبقة المتوسطة في مجتمعنا، خاصة ونحن الآن نعيش مرحلة تحول شاملة، لا بد وأن يكون هنالك مقياس علمي دقيق لحجم الطبقة المتوسطة وعدم انحسارها، وهذه ليس كلاماً جزافاً، بل نتائج مبنية على دراسات علمية أثبتت أهمية الطبقة المتوسطة كصمام أمان ومنبع للأمن والاستقرار. على الحكومة أن تضع ذلك في اعتبارها في كل قرار مالي تصدره يؤثر على الدخل العام للأسرة، بحيث أن كل قرار مالي يجب أن يحظى بموافقة خبراء في الاقتصاد، خبراء من داخل السوق والمجتمع السعودي. لا ننسى السلطة الرابعة، السلاح الأكثر خطورة في حياة أي مجتمع، وعن الإعلام أتحدث، فهو لدينا وللأسف سلاح شبه معطل، بل متحيز إلى الرياضة والترفيه، ولسنا مقللين من أهميتهما لكننا لسنا مع طغيان سيطرتهما على حساب الإعلام التوعوي التوجيهي، الذي يعالج مشاكل كثيرة في نمطية تفكير الفرد والأسرة، تغيير نمط سلوكنا الإسرافي التبذيري، خفض مستويات ساعات الفراغ والتشجيع على مفاهيم العمل الإضافي، جعل الكسل والاستسلام داخل الأسرة مكروهاً منبوذاً. للحكومة نقول: إن الاقتصاد العام هو الأهم في تشجيع المواطن، وإن رب الأسرة حين يكون همه لقمة عيشه وأولاده، فإن مساحات متابعته لظروف بيته وأسرته تقل، وحين يترافق مع انحسار في القدرة التمويلية لاحتياجات الأبناء والأهل، فإن عوامل تفكيك الأسرة تكون قد اكتملت، قلة الرقابة وقلة التمويل. وللحكومة أقول إن الجسم الاقتصادي تماماً كالجسد البشري، لا يمكن إن وجد فيه من العلل أن تُعالَج كلها مرة واحدة في عملية جراحية واحدة، لا بد من الترتيب حسب الأهمية، نعالج الأعراض أولاً، لا يمكن الاكتفاء بإعطاء مضاد حيوي يقتل الفايروس دون العمل مسبقاً على خفض الحرارة، لابد من توازن استقراري، ولا ندعو للتراجع وإنما تخطيط وتقديم الأهم على المهم، كذلك منهجية العمل على توظيف المواطن أيضاً يجب أن تتوازن ولا تطغى على منهجية أخرى نراها أكثر أهمية، وهي منهجية خلق الوظائف وإيجادها من العدم. إن استقرارنا الأمني مصدره السلاح النووي الذي نملكه، وهو هذا المواطن الذي يؤمن أن هذا الوطن وهذه الأرض لا بديل عنهما.. * رئيس مجلس إدارة جمعية التوعية والتأهيل (واعي) Your browser does not support the video tag.