اختتمت أمس الأحد أعمال الندوة العلمية السنوية حول السيرة النبوية في نسختها الثلاثين التي عقدت على مدى ثلاثة أيام في العاصمة الموريتانية نواكشوط. ونظم الندوة التجمع الثقافي الإسلامي بموريتانيا وغرب أفريقيا بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، بحضور كوكبة من العلماء والباحثين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وتميزت نسخة هذا العام بالحضور القوي والرعاية الفاعلة لرابطة العالم الإسلامي ممثلة في الأمين العام د. عبدالكريم العيسى الذي حضر على رأس وفد مهم من هيئته وحرص على مواكبة كل فعاليات الندوة. وعبر د. العيسى عن سعادته لحضور هذه الندوة العلمية المهمة في موريتانيا أرض العلماء والشعراء والدعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، منوهاً إلى أنه اختار أن تكون موريتانيا محطته الأولى في زيارته الأفريقية التي تشمل عدة دول. وقدّم شكر الرابطة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز وحكومته على رعايتهم لأعمال الندوة. وأكدّ د. العيسى أهميّة تعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال في وعي الأمة المسلمة حتى تكون أقوالها وأفعالها ترجمة صادقة لرسالة الإسلام العالمية التي جاءت رحمة للعالمين، مشيراً إلى مركزية السيرة النبوية في علوم الأمة وسلوكها، وأنها الأنموذج الذي ينهل منه المسلمون وسطيتهم ومنهجهم الحضاري وأخلاقهم وطرائق تعاملهم مع الآخرين، داعياً العلماء لتذكير النشء المسلم بما تضمنته السيرة النبوية من معالم الرحمة والوسطية والاعتدال. وأمَّل أن يخرج المؤتمر برؤية إسلامية واضحة تكرّس قيم الوسطية في المجتمع، وتحصّن أبناءه من الانزلاق في مسالك الغلو والتطرف، وتحفّزهم على تنمية وطنهم، والعمل على تحقيق أمنه ورخائه واستقراره، وتجسير علاقات السلم والتعايش مع الجميع. بدوره، رحب رئيس التجمع الثقافي الإسلامي بموريتانيا وغرب افريقيا الشيخ محمد الحافظ النحوي بضيوف الندوة وعلى رأسهم د. العيسى. وشدد النحوي على ضرورة تنسيق الجهود في العمل على تجفيف منابع الإساءة إلى المقدسات، وتحصين الناشئة من تيارات الإلحاد والتطرف والغلو، داعياً إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية لرعاية الأجيال القادمة وبناء شخصيتها وفق هدي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام التي تنأى عن الإفراط والتفريط. ولم تغب القضية الفلسطينية وخاصة القدس الشريف عن فعاليات الندوة، حيث كانت حاضرة في كل المداخلات والبحوث. وقال مستشار الرئيس السنغالي الشيخ منصور نياس عن قضية القدس إنها خط أحمر ويجب على الصهاينة التوقف عن سياساتهم الاستفزازية إزاءها، مؤكداً أن القدس تتواجد في وجدان المسلمين حيثما وجدوا في مشارق الأرض ومغاربها، لافتاً إلى ضرورة الوقوف الحازم في وجه محاولات سلطات الاحتلال اغتصاب القدس وتدنيسها وطمس معالمها. من جهته، أفاد وزير العدل الموريتاني جا مختار ملل أن مواضيع هذه الندوة تستحق بحق الإشادة والتثمين بما تشمل السيرة النبوية من عطاءات معرفية وضاءة قوامها الوسطية والاعتدال والسلم والمحبة والتسامح باعتبارها مقاصد بناءة بحاجة لاستحضارها بشكل دائم. وأضاف الوزير أن موريتانيا خطت خطوات معتبرة على طريق محاربة التطرف والانحراف الفكري بفضل سنة التشاور والحوار ومقارعة الفكر بالفكر، إضافة إلى إستراتيجيتها الأمنية الفعالة مما جعل مجتمعنا في مأمن من مضاعفات التطرف والغلو. وقد ناقش المشاركون واستمعوا خلال جلسات الندوة لعشرات البحوث العلمية الهامة تركزت في مجملها حول المحاور التالية: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، الفكر الوسطي والمجتمع الإنساني، قضايا معاصرة في ضوء السيرة النبوية. وخرج المؤتمرون بالتوصيات التالية: بيان حقائق الإسلام وقيمه السمحة من خلال أصوله الصحيحة بعيداً عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والدعوة إلى دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتعمق في فقهها وفهم دروسها وربط المسلمين بمعانيها العظيمة وجعلها الأساس في إقامة المجتمع الإسلامي المبني على التعاون والتراحم والتعاطف، واستلهام قيم الوسطية والاعتدال من السيرة النبوية والاستفادة من الدروس التي زخرت بها لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وأحكامه والتصدي لتيارات الغلو والتطرف. وأكدوا أيضاً على أهمية تطوير الخطاب الوسطي بما يراعي فوارق الزمان والمكان، ويتلاءم مع ثوابت الإسلام القائمة على الاعتدال ويعالج مشكلات المجتمع المعاصرة بعيداً عن الانفعال وردود الأفعال الآنية، ومعالجة الخلاف بين المسلمين بتعزيز التعاون في المشتركات والتحلّي بالإنصاف ورفْض التعصب والانغلاق ورفض التحزب حول الأسماء والشعارات والأوصاف الطارئة على اسم الإسلام الجامع وفتح باب الحوار مع الالتزام بأدب الخلاف والرجوع إلى الحق، بالإضافة إلى ترسيخ المنهجية العلمية السليمة لدراسة السيرة النبوية بموضوعية واعية تتحرى الدقة والصحة والعمق في تناول أحداثها، وتستقرئ أبعادها الحضارية والإنسانية، والاستفادة من دروس التاريخ في النأي عما يثير الفتن والفرقة بين المسلمين. كما لفت المشاركون في الندوة إلى ضرورة توجيه وسائل الإعلام إلى الإسهام في نشر ثقافة السلام والتفاهم والاعتدال وعدم الترويج لثقافة العنف والكراهية أو إشاعة ما يكدّر صفو العلاقات البينية ويثير التوتر والشقاق، دعوة الحكومات الإسلامية إلى العناية بتأهيل الكوادر والدعاة النابهين وإشراكهم في معالجة الواقع وما يجدّ فيه على هدي من سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، إلى جانب دعوة المؤسسات والمنظمات والمراكز الإسلامية إلى عقد المناشط التي تستلهم القدوة والأسوة من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وسير الصحابة الكرام بما يعزز وحدة الأمة وتماسكها ويعينها على استعادة دورها الحضاري والريادي. وحثت رابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الإسلامية على التواصل مع المنظمات الدولية وفي مقدمتها (هيئة الأممالمتحدة) لاستصدار قرارات تمنع المساس برسالات الله السماوية، وتمنع التطاول على رسل الله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وتجرم هذه الإساءات لما تؤدي إليه من تكدير السلم وتوفير مناخات مناسبة للقوى التي تسعى لتأجيج الصراع والعنف. وشددت على أهمية دعوة المنظمات الإسلامية الحقوقية إلى تكوين فريق عمل متخصص من رجال القانون والمحاماة لمتابعة ما يحدث من إساءة للإسلام ورموزه وشرائعه، لدى المحاكم والمنظمات الدولية المعنية بحماية الحقوق الإنسانية والدينية، وأيضاً دعوة الحكومات وأصحاب القرار في العالم الإسلامي وخارجه إلى الانحياز للحق والعدل، ومناصرة القضية الفلسطينية ودعمها باتخاذ مواقف وقرارات وخطوات عملية من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها، وتمنع المعتدي عن التمادي في عدوانه، قبل أن تعم الفوضى ويكثر الفساد. وعلى هامش الندوة، عقد د. العيسى عددا من اللقاءات مع كبار المسؤولين بالدولة الموريتانية وعلى رأسها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، حيث خصه باستقبال رسمي حضره سفير خادم الحرمين الشريفين في نواكشوط د. هزاع المطيري. وقدم الأمين العام للرابطة للرئيس الموريتاني رؤية الرابطة حول مجمل القضايا الإسلامية المطروحة. واستمع إلى حديث الرئيس الموريتاني حول الاستفادة من مقاربة موريتانيا في إطار نشر قيم الاعتدال والوسطية ودعم جهود رابطة العالم الإسلامي حول العالم وتنظيمها لمؤتمر في هذا الإطار في نواكشوط تحت رعايته. وأبدت الجهات الرسمية الموريتانية اهتماماً كبيراً بزيارة الأمين العام للرابطة إلى موريتانيا، حيث تم استقباله من قبل كبار الشخصيات في الدولة وتباحث معهم حول رؤية الرابطة وإستراتيجياتها في العمل الإسلامي المشترك. وفي هذا الإطار، عقد د. العيسى لقاءات ثنائية مع العديد من أعضاء الحكومة الموريتانية من بينهم رئيس الوزراء م. يحيى ولد حدمين ووزراء العدل والداخلية والثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية. كما أقادم سفير خادم الحرمين الشريفين على شرف د. العيسى مأدبة غداء في منزله في نواكشوط حضرها سفراء الدول العربية والإسلامية وعدد من أصحاب المعالي والفضيلة العلماء. أمين الرابطة والشيخ محمد النحوي في الندوة حضور كوكبة من العلماء والباحثين من أنحاء العالم الإسلامي المشاركون شددوا على ضرورة تطوير الخطاب الوسطي عدد من السفراء والعلماء في منزل د. هزاع المطيري