رحلت شادية وبقي اسمها حاضراً بقوة في أحاديث المجتمع العربي بفضل أعمالها الراقية التي قدمتها خلال مسيرة فنية حافلة استمرت لأكثر من أربعة عقود كانت خلالها المطربة المبدعة والممثلة المتميزة وصاحبة أفلام خالدة وأغانٍ لا تنسى ومسرحية يتيمة احتلت موقعها في ذاكرة أهم الإنتاجات في تاريخ المسرح العربي. ولدت شادية عام 1931م وبدأت رحلتها الفنية في عمر 16 عاماً، وخلال مسيرتها الفنية التي انتهت باعتزالها في عام 1986، قدمت 110 فيلماً سينمائياً، ومئات الأغنيات، والعديد من المسلسلات الإذاعية، ومسرحية واحدة يتذكرها الجمهور كثيراً عندما قدمت في العام 1983م مسرحية "ريا وسكينة" كقصة واقعية عرفها المصريون جيداً في مرحلة ما قبل الاستقلال. لم تشتهر "شادية" باسمها الحقيقي فاطمة كمال شاكر، ابنة المهندس المصري وأم من أصول تركية، بل باللقب الذي سيلازمها حتى وفاتها "شادية"، تمكنت الفنانة الكبيرة من حجز مكانة متميزة بين قريناتها من نجمات السينما المصرية منذ بداياتها الفنية وخلال مشوراها الذي زاد على أربعة عقود، حيث شكلت من خلالها ثنائيات شهيرة مع فنانين كبار مثل كمال الشناوي وفريد الأطرش وصلاح ذو الفقار، واشتهرت بلقب "معبودة الجماهير" بعد فيلمها مع الراحل عبدالحليم حافظ الذي يحمل نفس الاسم والذي يعد من أبرز الأعمال الرومانسية في تاريخ السينما المصرية. من خلال مسيرتها الفنية عبرت عن أفراح وأتراح المصريين في المناسبات الوطنية، حتى لقبها الفنان الراحل عبدالوارث عسر ب"شادية الوادي" إذ غنت بعد هزيمة "1967" "الدرس انتهى" الذي جاء على إثر قصف إسرائيل لمدرسة "بحر البقر" في محافظة الشرقية، في حادثة مأساوية أودت بحياة العديد من الأطفال. اهتمت شادية بتفاصيل مجتمعها، واستخدمت الفن حينها سلاحاً في مواجهة إسرائيل، حيث غنّت "عبرنا الهزيمة" بعد حرب "1973" التي عبر فيها الجيش المصري إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وقبل ذلك، في الستينيات الميلادية، سيطرت شادية على بطولة أفلام مصر وسعت إلى تغيير نظرة المجتمع في عدة قضايا خاصة المتعلقة بالمرأة، مثل "كرامة زوجتي" و"عفريت مراتي" و"مراتي مدير عام"، لكنها في نفس الوقت لم تغب عن المرح والحس الفكاهي في أفلامها وأغانيها، وتميزت بخفة الظل والمرح، كأغنية "وحياة عينيك" مع رشدي أباظة و"يا سلام على حبي وحبك" مع الموسيقار فريد الأطرش، واشتهرت بالعديد من الأفلام من أهمها "المرأة المجهولة" و"نحن لا نزرع الشوك"، و"لحن الوفاء" و"الزوجة رقم 13". وكانت الفنانة الراحلة عنصراً مهماً في حفلات "ليالي القاهرة" ذات الشهرة الكبيرة في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتعتبر الفنانة الوحيدة التي لم تغب عن الإذاعة من جيلها، كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية عن دورها في فيلم "شيء من الخوف" الذي أدت بطولته مع الفنان محمود مرسي عام 1969م، وكان عملها الغنائي "خد بإيدي" آخر أعمالها لتقفل به مسيرتها الفنية وهي في عمر الخمسين، توارت بعدها عن الأنظار لتأخذ جانباً آخر في حياتها لأعمال الخير وحياتها الخاصة. ورغم غيابها لأكثر من ثلاثين سنة بسبب الاعتزال، وغيابها النهائي بسبب الموت، إلا أن اسمها لم يغب لحظة عن ذاكرة الجمهور العربي، وسيظل اسمها محفوراً في وجدان العرب بوصفها فنانة قديرة من الزمن الجميل، قدمت أعمالاً مؤثرة في السينما والأغنية والمسرح، ويكفيها أغنيتها الوطنية الشهيرة "حبيبتي يا مصر" التي مازال المصريون يرددونها كل يوم. الفنانة الراحلة في سنواتها الأخيرة الراحلة مع عبدالحليم حافظ أثناء تصوير فيلم «معبودة الجماهير» مع كمال الشناوي في فيلم «المرأة المجهولة»