إستراتيجية حزب الله تقوم على ارتباط سياساته وبرامجه بالتخطيط الدائم لتشريع الحروب والتحكم في مصائر الآخرين وممارسة الضغط ومحاصرة الدولة اللبنانية بعيدًا عن الأخلاقيات مما يعكس خطورة دور هذا الحزب على لبنان.. ربما حان الأوان للوقوف على واقع حزب الله اللبناني وضبط حركته والذي يشهد مخاضات في لبنان وسورية ومناطق أخرى من العالم. والأرجح أن معطيات التاريخ لولادة هذا الحزب ترجع في الأساس إلى تلك الخطة الطائفية التي كانت خيوطها تنسج في الخفاء وهذا مؤشر على أن الأنساق الأفقية لأي ظاهرة حزبية أو سياسية أكبر وأخطر من الأنساق الرمزية المألوفة ونعني بالأنساق الأفقية شرائح العلماء والأنصار والقيادات المتوارية عن الأنظار كل هؤلاء في الواقع يشكلون أدوات متحركة باعتبارهم جبهة فهم مشاركون بفاعلية في تأسيس الكيانات الحزبية المتطرفة كما حدث مع حزب الله. كان أحدهم في ذلك التاريخ البعيد يفكر بطريقة أخرى وكانت خطواته المريبة بداية لحركة تنذر باضطرابات واسعة تهدد لبنان ومعها المنطقة بأكملها هذا الرجل هو موسى الصدر الذي كان أحد أهم عوامل صنع حزب الله إن لم يكن العامل الأهم على الإطلاق. ولد موسى الصدر في مدينة قم عام 1928م درس المذهب الإثني عشري وعندما كان شابًا يافعًا في الحلقات الشيعية كان يتميز بالتعصب والطموح اللامحدود فقد كان يكافح لكي يجد لنفسه موطن قدم في درج الصعود المذهبي تدرج في تعليمه إلى أن صار محاضرًا في جامعة قم في الفقه والمنطق وفي عام 1954م غادر إلى النجف والتحق بالمراجع الشيعية فدرس على محسن الحكيم وأبي القاسم الخوئي وفي عام 1959م ذهب إلى لبنان يحمل معه توجهًا طائفيًا دولة شيعية في الجنوب على المذهب الإثني عشري. ومنذ البداية أظهر اهتمامه الشخصي بالطبقات الفقيرة في المجتمع اللبناني تمثل في مبادرته الاجتماعية في إنشاء المؤسسات الخيرية والمدارس والعيادات الطبية هذا هو الوجه الأول لموسى الصدر ولكن لم يكن موسى الصدر دائمًا على هذه الحال فدخوله الشأن الاجتماعي ليس سوى محاولة لفرض نفسه على المجتمع اللبناني فموسى الصدر لا يستطيع بداية أن يصرح بأفكاره المذهبية الحقيقية التي يؤمن بها ويقول بها في تصريحاته الخاصة ولأتباعه المقربين ولكن هذه الأفكار المذهبية لابد أن تظهر في شكل مواقف طالما أن الرجل اختار العمل العام. تعاظم أثره يومًا بعد يوم ومضى في خطته الكبرى [دولة شيعية في الجنوب اللبناني] أسس المحاكم الجعفرية على المذهب الاثني عشري وفي عام 1969م أنشأ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعد أن وطد علاقته بالرئيس اللبناني في ذلك الوقت شارل الحلو الذي رأى فيه حليفًا سياسيًا مناسبًا. وفي عام 1971 بارك وصول حافظ الأسد إلى كرسي الحكم في سورية وكرس علاقته بالأسد وأصدر فتوى أعلن فيها أن العلوية جزء من الطائفة الشيعية وصار حلقة وصل بين الأسد ورموز الثورة الإيرانية واصل خطه المذهبي والسياسي ففي عام 1975م أسس حركة أمل الشيعية وتصاعد نفوذه في لبنان حيث إن كل المتغيرات لعبت في يده تمامًا فالسنوات التي أمضاها في لبنان أتاحت له الفرصة في توطيد علاقته بحافظ الأسد والثورة الإيرانية وموارنة لبنان. وفي عام 1978م تأزمت علاقته بالأسد وبعض رموز الثورة الإيرانية وتوجه إلى ليبيا وتحدث المفاجأة الكبرى وهي اختفاؤه عن الأنظار. لم يدم الوضع طويلًا في لبنان فقد ملأ الفراغ عباس الموسوي وحسن نصر الله اللذان كانا يدرسان المذهب الشيعي في النجف. لعب حسن نصر الله الدور الأخطر لهذا الحزب كتنظيم طائفي متطرف يضم عشرات الخلايا ويدير شبكات إرهابية حول العالم تم تبنيه من قبل إيران وأصبح أداة سياسية لإيران في المنطقة. فإستراتيجية حزب الله تقوم على ارتباط سياساته وبرامجه بالتخطيط الدائم لتشريع الحروب والتحكم في مصائر الآخرين وممارسة الضغط ومحاصرة الدولة اللبنانية بعيدًا عن الأخلاقيات مما يعكس خطورة دور هذا الحزب على لبنان الذي أدى إلى عدم استقرار لبنان وزعزعة أمنها الداخلي وذلك من أجل خدمة السياسات الإيرانية الرامية إلى السيطرة وبسط النفوذ وبث الفتنة بين اللبنانيين. وجاءت استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري شارة حمراء في وجه المشروع الإيراني وسياسات حزب الله المتطرفة لتضع تلك الاستقالة لبنان مستقبلًا على الخارطة السياسية الصحيحة ولكن مع كل ذلك يستمر حزب الله في خداعه ومناوراته دون أن يلتفت كثيرًا لما ينتظره إنه حقيقة في ورطة.