طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بريطانيا في ذكرى مرور مئة عام على ما يعرف ب"وعد بلفور" بالاعتراف بالخطأ التاريخي الذي شكله هذا الإعلان تجاه الشعب الفلسطيني، متخوفاً من أن وعد الدولتين بات تحقيقه مستحيلاً مع مرور الوقت. وقال عباس في مقال نشرته صحيفة "الرأي" الأردنية بعنوان: "وعد بلفور ليس مناسبة للاحتفال"، "في الذكرى المئوية لوعد بلفور، يتوجب على الحكومة البريطانية أن تغتنم الفرصة وتقوم بتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا الفلسطيني". وأضاف "التوقيع على وعد بلفور هو فعل حصل في الماضي -وهو أمر لا يمكن تغييره- لكنه أمر يجب تصحيحه وهذا يتطلب التواضع والشجاعة، ويتطلب تقبل الماضي، والاعتراف بالأخطاء واتخاذ خطوات ملموسة لتصحيح تلك الأخطاء". وأكد عباس أنه منذ العام 1917، تاريخ حصول الوعد، قدم الفلسطينيون "تنازلات مؤلمة وكبيرة من أجل السلام، بدءًا بقبول قيام دولة فلسطينية على 22 % فقط من وطننا التاريخي، والاعتراف بدولة إسرائيل دون الحصول على أي اعتراف مماثل حتى يومنا هذا، وتبنينا حل الدولتين على مدى السنوات الثلاثين الماضية، والذي بات تحقيقه مستحيلاً مع مرور الوقت". ولا زال حل الدولتين مرجعاً أساسياً للأسرة الدولية لحل الصراع المزمن، إلا أن جهود السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل متوقفة بالكامل منذ فشل مبادرة أميركية في ابريل 2014. ودعا الرئيس الفلسطيني "إسرائيل وأصدقاءها لأن يدركوا جيداً أن حل الدولتين قد ينتهي تماماً، إلا أن الشعب الفلسطيني باق هنا، وسيواصل سعيه من أجل استرداد حريته، سواء كان ذلك من خلال حل الدولتين أو من خلال النضال". وحض بريطانيا على "اتخاذ خطوات ملموسة تهدف إلى إنهاء الاحتلال على أساس القانون الدولي". من جهته اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أنه "لا عار يضاهي عار الاحتفال بالاستعمار"، وذلك رداً على التأكيد البريطاني على الاعتزاز بوعد بلفور والاحتفال به في مئويته التي وافقت الخميس. وقال عريقات في بيان، نقلته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا): "لا عار يضاهي عار الاحتفال بوعد الاستعمار في القرن الحادي والعشرين، حيث كان على بريطانيا اغتنام الفرصة لتصحيح خطيئتها والاعتذار لشعب فلسطين عن الظلم التاريخي الذي ألحقته به والانتصاف لضحاياه بما يشمل التعويض، والاعتراف بدولة فلسطين، وتصويب مواقفها نحو رفع الحصانة عن إسرائيل ومحاسبتها وجعلها تدفع ثمن احتلالها، وعدم عرقلة المبادرات والجهود الفلسطينية في المنابر الدولية بدلاً من الاحتفال بإطالة أمد الاحتلال الاستعماري وتثبيته على حساب حقوق شعبنا". وأضاف أن "الفرصة ما زالت سانحة أمام الحكومة البريطانية لإنهاء الإرث الاستعماري في فلسطين، وأن تنحاز إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه ضد الاستعمار والعسكرة". وشدد على أن "شعبنا متجذر وصامد على أرضه الذي عاش عليها أجداده وآباؤه منذ آلاف السنين، وفي كل أماكن تواجده في المنافي ومخيمات اللجوء حتى العودة". من جانبها علقت صحيفة الغارديان البريطانية على مرور مئة عام على صدور وعد بلفور الذي تعهدت بريطانيا فيه لليهود من خلاله بإقامة وطن لهم في فلسطين قائلة إنه: "عندما وعد وزير الخارجية (البريطاني) آرثر بلفور قبل 100 عام بإقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين فإن كلماته غيرت العالم". ورأت الصحيفة أن هذا الوعد كان نقطة تحول تاريخية وذلك عندما "احتفت أمة بإعطاء دولة ثانية وعداً بدولة ثالثة حسب صياغة الكاتب اليهودي المجري آرثر كوستلر بشكل لا ينسى". وشددت الصحيفة على أن "وجود إسرائيل واقع تاريخي" وأضافت: "ولكن العالم الذي أرهقته الحرب وتعاطف مع بؤس اليهود صرف نظره عندما اضطر الفلسطينيون لدفع ثمن جريمة لم يرتكبوها". وأكدت الصحيفة على أن الاعتراف المتأخر بهذا الظلم الذي وقع على الفلسطينيين يعني أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة له أيضاً ما يبرره. وفي بيان من 67 كلمة كتب قبل مئة عام أيدت بريطانيا قيام وطن لليهود في الشرق الأوسط، مما أطلق عملية انتهت بقيام إسرائيل ونشب معها أحد أكثر صراعات العالم استعصاء على الحل. وقال إيان بلاك الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد: "السبب في حصوله على الكثير من الاهتمام يرجع إلى أن الصراع الذي أطلقه لا يزال قائماً بقوة وثمة إحساس، لا سيما على الجانب الفلسطيني، بالظلم المتواصل". وأضاف "أنه بحق قضية مشتعلة ومسببة للألم ومثيرة للانقسام بشدة". وفي محاولة لتحقيق التوازن الصحيح قال وزير الخارجية بوريس جونسون: إن روح الوعد لم تحترم بشكل كامل. وقال: "التحذير الحيوي في وعد بلفور، وهدفه حماية الطوائف الأخرى، لم يتحقق بشكل كامل" في إشارة إلى فقرة في الوثيقة قالت إن إقامة دولة لليهود لا ينبغي أن يأتي بشيء ينتقص من الحقوق المدنية أو الدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة. وبطبيعة الحال لم تركز إسرائيل بشكل يذكر على تلك الفقرة من الوعد بل انصب تركيزها أكثر على التأييد الجلي لإقامة وطن لليهود. فلسطينيون يحرقون العلم الإسرائيلي وصورة لبلفور أمام سفارة بريطانيا في بيروت (أ ب)