لم تكن فرصة ظهور فكرة وأنموذج «الفصول المقلوبة» أو المعكوسة (lipped Classrooms) إلا نتيجة حتمية، وولادة طبيعية، لا قيصرية ناجمة عن تزاوج الأنظمة التعليمية مع التقنيات الحديثة، حيث إن التكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية هي كلمة السر وراء هذا التغير الجذري في بنية، وشكل، ووظيفة الفصل الدراسي القادر على التغير باستمرار والتكيف لتلبية متطلبات العصر واحتياجات الأجيال الجديدة؛ ومنه، متى كانت البداية؟ ومن أنصارها؟!. لقد اعتبر «بيل جيتس» المؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت، أن التكنولوجيا الحديثة قادرة على تغيير نوعية التعليم نحو مزيدٍ من الابتكار والتميز والإثارة والعالمية. وفي جامعة هارفارد، تمكن التربوي الشهير إيريك مازور (Eric Mazur) من ابتكار أنموذجٍ للتعليم بالأقران بمساعدة الحاسوب في تسعينيات القرن العشرين، والذي أتاح له أنماطاً جديدة مختلفة من أساليب التدريس والتدريب بدلاً من إلقاء المحاضرات..!. ومن نفس المنعطف وإليه، يقول إيريك: «يمكننا معالجة العديد من المفاهيم الخاطئة الشائعة التي من الممكن أن تستمر في النماذج التعليمية الأخرى دون كشفها.. ولن تحل أجهزة الكمبيوتر محل المعلمين، ولكنها بالتأكيد سوف تزودهم بأدوات حيوية لتحسين جودة التعليم.» وفي عام 2000م داخل جامعة ميامي، نشر الباحث الأميركي مورين لارج وآخرون من زملائه دراسةً مهمةً تمثلت في «قلب نظام الفصل الدراسي.. مدخل لخلق بيئة تعليمية شاملة»، ورغم عدم استخدام مصطلحات مثل التعلم المعكوس والفصول المقلوبة، إلا أن فكرة البحث تصب في المعنى ذاته الذي يؤكد ضرورة قلب طبيعة الفصل الدراسي وخلق بيئة تعليمية جديدة باستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة. ومن المحاولات المبكرة في تطبيق فكرة الفصول المقلوبة ما حدث عام 2011م بولاية ميشيجان الأميركية، عندما تحولت مدرسة كلينتوندال الثانوية بشمال مدينة ديترويت إلى مدرسة مقلوبة (flipped school) حيث يقوم المعلمون بتسجيل فيديوهات للدروس والطلاب يتابعونها عبر هواتفهم الذكية وأجهزة الكمبيوتر المنزلية، أو أثناء وجبة الغداء في مختبر التقنية المدرسي، وداخل الفصل المدرسي، فيقوم الطلاب بإنجاز المشروعات والتمارين والأنشطة والتجارب على هيئة مجموعات صغيرة يدور بينها المعلم للنقاش وتعزيز السلوك. وقد استطاعت هذه المدرسة تحقيق تقدم ملحوظ في نسب التفوق والتحصيل والتأهيل الجامعي مقارنة بغيرها من مدارس الولاية التي ما زالت تتبع الطرق التقليدية في التدريس. ومما سبق نستطيع أن نفتح الباب أمام «صياغة» تصور شامل للفصول المعكوسة أو الصف المقلوب 21، وما يتم بداخلها تفصيلاً من إجراءات مختلفة وممارسات، وما يستخدم فيها من تقنيات ووسائل، وما يميزها عن غيرها من الفصول الاعتيادية.. وهذا ما سنلقي الضوء عليه لعله يشارك في قلب تعليمنا !.