من يتأمل نظام المملكة يدرك تمام الإدراك أنها تسير وفق منهج واضح ومحدد لا يمكن الحياد عنه في جميع مراحلها منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- حتى تولي أبنائه الحكم، فالجميع يسير في ذات طريق الكفاح للتأسيس، فمسيرة الأجداد باقية، تطوق كيان المملكة بمنهج واضح ومسيرة واحدة، في كل مرحلة تؤسس بدايات جديدة وقفزات لقصص من النجاح القادمة، فهذه الخريطة هي من شكلت بنية المملكة وخلقت لها كيانها الذي له طبيعته واستقلاليته وملامحه الخاصة التي ميزت الوطن بالاستقرار والرقي المتوارث منذ بداية التأسيس. مرحلة التأسيس أوضح د. عويضة الجهني -أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الملك سعود- أنه لما ظهر الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- ودخل الرياض في عام 1319، كانت في ذلك الوقت الدولة العثمانية تحكم بعضاً من إقليم الجزيرة العربية، وكانت مؤسساتها العسكرية غير قوية إلا أنها كانت تسعى لأن تكون دولة حديثة، ولكن الفساد وظروف كثيرة حالت دون أن تكون قوية كما يجب لتسيطر على الكثير من المناطق، ولذلك أتيحت الفرصة للملك عبدالعزيز أن يسيطر على منطقة وسط نجد في البداية، ثم يتوسع إلى مناطق أخرى، ويتغلب على ابن الرشيد الذي كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالدولة العثمانية حتى جاءت الحرب العالمية الأولى، وأسهمت في ضعف الدولة العثمانية أكثر، وتوسع الملك عبدالعزيز كثيراً فانحسر نفوذ الدولة العثمانية إلى تركيا في الأناضول، فقام بحملات في البداية تمثلت في جبل شمر ثم الجوف والقريات ثم عسير ثم الحجاز حتى استطاع أن يكون وطناً كبيراً من مختلف الأقاليم، كان كل إقليم يتبع لكيان مستقل وتمكن أن يحل في مناطق كثيرة؛ فظروف ضعف الدولة العثمانية مع بداية القرن الرابع عشر وظروف الحرب العالمية الأولى التي خلخلت المنطقة تماماً وجعلت الطريق ممهداً لمؤسس الدولة، فوحد مناطق الجزيرة العربية في كيان واحد. وذكر الجهني أن الملك عبدالعزيز كان يبني على ما سبق في الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية، وهاتان الدولتان قامتا على أسس دعوة دينية، ولذلك استفاد من ذلك وهو يوحد أقاليم الجزيرة العربية، فكان يعتمد اعتماداً كبيراً على تراث الدولة السعودية الأولى والثانية، ونظام قائم على دعوة دينية، ونظام قائم على العادات والتقاليد والقوانين في جزيرة العرب والتي تختلف عن عادات وتقاليد الناس في دول أخرى كالعراق والشام ومصر وغيرها من الأقاليم التي كانت تتبع الدولة العثمانية، ومضى الملك في مسيرته حتى جاء من بعده أبناؤه الذين ساروا على طريقته في طريق الكفاح ذلك. فخلفه بداية الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد ثم الملك فهد ثم الملك عبدالله وصولاً إلى الملك سلمان أطال الله في عمره، مؤكداً أن أبناء الملك عبدالعزيز جميعاً ساروا على ذات النهج والإرث الذي تشكل من الإرث الديني والإرث السياسي والإرث الإداري إلا أن الملك عبدالعزيز قام بالعديد من التغييرات التنظيمية، فعلى سبيل المثال وجد في الحجاز إرثاً جديداً استفاد منه، ولذلك غالبية موظفي الدولة في البداية كانوا من أهل الحجاز خاصة الذين لديهم خبرة ولديهم قدرات، وعلى سبيل المثال وجد الملك عبدالعزيز الكثير من الفنيين والذين يديرون الاتصالات البرقية في الحجاز فاستفاد من خبرات وقدرات من كان في مكة والمدينة والطائف من هؤلاء الموظفين. بداية النهضة ويرى فؤاد المغامسي -مشرف مركز أبحاث ودراسات مؤسسة الملك سعود- أنه منذ دخول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة الرياض في 5 شوال 1419ه وما تلاها من سنوات لتوحيد كيان شامخ، معه أبناؤه ورجالات الوطن إلا وبدأت مرحلة النهضة والبناء والتأسيس، فكانت النهضة لدى المؤسس هي نهضة الإنسان قبل نهضة البنيان أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعاً لمنهجه القويم، فكان الصرح العظيم والدولة القائمة المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين ومنذ ذلك التاريخ أخذ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على عاتقه الحفاظ على مكتسبات الوطن الحضارية وما تشملها من تحقيق الأمن ومع هذا الأمن انطلقت عجلت النهضة العظيمة واستمرت من بعده وفق منهج خطه الملك عبدالعزيز وسار عليه أبناؤه من بعده. فبعد أن كان له ما كان وضم كيان المملكة، شمر على ساعده وبدأ في كل الاتجاهات ومن أهم هذه الاتجاهات التنمية الداخلية، فلم يتوقف في ذلك الزمن بإنشاء الوزارات لقد قام بتوطين البادية الرحل وجعل لهم هجراً، وبدأ بتعليمهم لينتقلوا من حياة البداوة إلى الحضارة حتى يكونوا سواعد بناء لهذا الوطن ولا يحقق ذلك إلى بالاستقرار، كما قام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتأسيس مديرية الشرطة في نفس السنة التي أعلن ضم كامل الحجاز في عام 1344ه /1925م ومن ثم أصحبت مديرية الأمن وقام أبناؤه من بعده من عهد الملك سعود -رحمه الله- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- بالتطوير لهذا الجهاز الأمني وتنوع وسائل حفظ الأمن في الوطن وهذا ما نلمسه الآن في عدد من البيانات الملكية من إنشاء النيابة العامة وغيرها، كلها خدمة لهذا الوطن وامتداداً لتوجيهات المؤسس بأن التطوير ماضٍ ومستمر، مبيناً أن النهضة العمرانية تجلت في عدد من المشروعات التطويرية في كامل المملكة، وأهم هذه المشروعات هي خدمة الحرمين الشريفين، فمنذ أن كان الحرمان الشريفان تحت ظل كيان المملكة العربية السعودية إلا وأخذ المؤسس على عاتقه بالتوجه إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة لتفقد حال الأماكن المقدسة ورغم ضعف الموارد الاقتصادية في ذلك الوقت إلا أنه حرص على إصلاح وترميم نواح في المسجد النبوي الشريف خاصة من الجهة الشرقية والحصوة الداخلية في المسجد النبوي الشريف وكذلك ما كان في الحرم المكي الشريف، ونقف هنا ونرى كيف أسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الملك، وأسس مع ذلك أبناءً كان همهم خدمة الوطن والحفاظ عليه، ففي نفس السنة التي توفي فيها الملك المؤسس 1373ه أصدر أمر بتوسعة المسجد النبوي الشريف التي أوكلت مهاها لولي عهده الذي أشرف على عمارة المسجد النبوي الشريف ووضع حجر الأساس وتمت التوسعة وكانت التوسعة الأولى بدأت من المؤسس وأنهيت في عهد الملك سعود، ومن ثم كانت التوسعات والمشروعات التطويرية للحرمين التي نراها الآن مستمرة في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-. أما النهضة الصحية في عهد الملك عبدالعزيز كانت نقطة الانطلاق، ففي عام 1343ه تم إنشاء مصلحة الصحة العامة والتي جعل لها فروعاً في كل من المناطق التي ضمت تحت لوائه، ونرى الآن جهود أبنائه من بعده مستمرة وفق ما رسم لهم من قبل المؤسس، وكذلك التنمية الاقتصادية فكانت أول ميزانية للدولة عام 1353ه واستمرت النهضة الاقتصادية خاصة بعد اكتشاف البترول، وأصبح الوطن ينعم بنهضة مطردة، واستمر وضع الخطط الخمسية والخطط الإستراتيجية حتى تحقق حلم الوطن من نهضة وبناء، والآن أبناء الوطن بقيادة الملك سلمان وولي عهده يعمل على تحقيق رؤية 2030 التي هي نقطة تحول نوعية بدت بوادرها، وسنلمس الصعود بأيدي أبناء الوطن نحو مصاف الدول العظمى، فمنذ ذلك التاريخ كان التأسيس والآن يعمل الجميع لتحقيق رؤية 2030 نحو التقدم. وقد وضع الملك عبدالعزيز أمله في شباب الوطن للنهوض بهذا الوطن نحو الأمام، وأيضاً وضع لأبنائه الذي سيخلفونه في هذه المسؤولية العديد من الوصايا التربوية، كذلك ما قام به الملك عبدالعزيز من أعمال كانت هي نبراساً لمن خلفه وطريقاً نحو تحمل المسؤولية. سواعد وطنية قصة كفاح الأجداد التي ابتدأت مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لا يمكن أن ينساها أحد، ووفقاً ل د. فارس الذكري -أستاذ التاريخ لشبه الجزيرة العربية بجامعة الملك سعود-، فالمملكة اليوم تسير في رغد العيش الذي بناه الأجداد قديماً فهؤلاء قاموا بعمل كبير؛ ففي السابق كان الناس يعيشون في فقر وجوع إلا أن هؤلاء التفوا حول الملك المؤسس عبدالعزيز حباً للوطن، وبذلوا الثمين لحب الوطن، فلم يجد الملك عبدالعزيز جهداً في أن يوحد الناس حوله، فالمملكة العربية السعودية قبل توحيدها كان يحيط بها دول غنية سواء من الموارد الطبيعية وغيرها إلا أن الكثير من أبناء الوطن لم يفكر بالخروج من أرض الوطن بل بقي يحمل الولاء للوطن، مبيناً أننا نلمس من قصص كفاح الأجداد التفاني من أجل الوطن، فهناك تنافس لخدمة المملكة التي بنيت بسواعد أبنائها، ولم يكن للعمالة الوافدة في السابق وجود، ففي مرحلة البناء كانت تقوم على أيدي أبنائها، فالجميع شارك في مجالات مختلفة سواء سياسية أو اقتصادية وغيرها. وأكد الذكري أن الطريقة واحدة في مسيرة التنمية للمملكة، فجميع أبناء الملك عبدالعزيز ساروا على طريقة والدتهم، فالملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يركز على استقرار وأمن المواطن وتنمية الوطن، وهذه ذات طريقة والده في مسيرته الناجحة، إلا أن أبرز ملامح التأسيس وتوحيد الكفاح تمثلت في ست نقاط، وفقاً ل د. فتحية عقاب -الأستاذ المشارك في تاريخ الجزيرة العربية بجامعة الملك سعود ووكيلة عمادة المكتبات- أولها: الاعتماد على مصادر الشريعة الإسلامية وتطبيقها في جميع مناحي الحياة والحرص على سلامة ونقاء العقيدة، وثانياً: حرصه على استتباب الأمن في جميع أنحاء البلاد خاصة بعد ضم الحجاز وتولي الملك عبدالعزيز مسؤولية حماية الحرمين الشريفين والعمل على تسهيل كافة ما يتعلق بالحجاز والمعتمرين، وثالثاً: اتباع مبدأ الشورى عملاً بقوله ( وأمرهم شورى بينهم )، رابعاً: اتباع منهج الاعتدال والوسطية في تعامله مع الجميع سواء الأفراد أو الجماعات وخاصة المخالفين له في الرأي، خامساً: الحرص على التخطيط المسبق في تيسير أمور الدولة وهو ما تمثل في استرداد الرياض، وسادساً: الاهتمام بتطوير البلاد وتنميتها بإدخال كل الوسائل الحديثة وتطبيقها في إدارة الدولة. د. عويضة الجهني د. فارس الذكري فؤاد المغامسي ثبات نهج الدولة منذ عهد المؤسس جعل المواطن ينعم بالاستقرار والأمان