هل تذكر أكبر مسافة مشيتها في حياتك؟ أنا أذكر ذلك جيداً؛ كانت 18 كيلومتراً، مشيتها خلال يوم واحد في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية في أبريل 2015.. كنت سائحاً لا يملك سيارة، وكان الجو ما يزال بارداً، وكانت شوارع المدينة جميلة لدرجة عدم رغبتي في التوقف.. وبفضل برنامج قياس الخطوات (الذي يتواجد في معظم الجوالات) أدركت أنني حطمت أرقامي السابقة 12 و15 و16 كيلومتراً.. ومازلت متوقفاً منذ ذلك الحين عند ال18 كيلومتراً.. غير أن هذا الرقم لا يقارن برحالة زادهم المشي وقطع الكيلومترات.. أقرب شخص أعرفه والد زوجتي (70 عاماً) الذي يحج كل عام قاطعاً المسافات الفاصلة بين مشاعر الحج مشياً على الأقدام.. غير أن المسافة الفاصلة بين المشاعر المقدسة لا تقارن بالمسافة بين البوسنة ومكة المكرمة التي قطعها الحاج البوسني سنادهادزيتش عام 1433.. كما أن تجولي في شوارع سانت بطرسبرغ لا يقارن بالمسافات التي مشاها الطالبان المبتعثان (عبدالرحمن باعظيم، ويوسف الحارثي) أثناء تجولهما بين المدن اليابانية.. والحقيقة هي أن كل من سافر إلى الخارج لاحظ قدرته على مشي مسافات طويلة لم يعهدها من قبل.. وبدل شعوره بالتعب والإرهاق، يشعر (خصوصاً في نهاية الرحلة) بالنشاط والعنفوان.. وتجربة كهذه تقودنا للتساؤل عن سبب خمولنا داخل البلاد، وعدم قطعنا لأكثر من أمتار قليلة في اليوم!؟ وأول سبب يتبادر إلى الأذهان هو حرارة الجو. والحرارة بدون شك عامل مثبط لا يشجع على الحركة ومشي مسافات طويلة.. فهي ترفع حرارة الجسم وتصيبه بالتعب والإرهاق - في حين تحثه برودة الجو على مواصلة الحركة ومحاولة منع حرارة الجسم من الانخفاض. غير أن حرارة الجو ليست السبب الوحيد، بدليل خمولنا أيضاً في أشهر الشتاء.. فنحن أيضاً متعلقون بسياراتنا بشكل كبير (لدرجة نبحث عن أقرب موقف للبقالة)، ولا نملك ثقافة تشجع على رياضة المشي (فيتعرض الرجال للسخرية، وتحتاج النساء لسيارة تمشي خلفهن)، ولا نملك على المستوى الشخصي وعياً حقيقياً بفوائد المشي (يمكنه التغلب على كل هذه العوائق). فمن الناحية الصحية؛ المشي مفيد في محاربة السمنة والسكري والمفاصل وكسل القلب وأمراض الشرايين.. وهو لا يحرق فقط المزيد من السعرات الحرارية بل ويرفع نسبة المناعة والتأيض وقدرتنا على تمثيل الطعام.. وكل هذه الفوائد يمكنك الحصول عليها في حال عودت نفسك المشي لمدة 45 دقيقة في اليوم فقط.. يمكنك تجاهل كافة النصائح الرياضية، وتذكر أن المشي حركة طبيعة، نملك من أجلها قدمين تشكلان 40 % من وزن الجسم.. .. ابدأ أولاً بترك مفاتيح السيارة في المنزل..