كل الذين تسنى لهم زيارة معرض "بلاد التنين" الملتئم في قصر المعارض في العاصمة الفرنسية من ال 23 مايو إلى ال 3 سبتمبر 2017، يخرج من المعرض ولديه فكرة جديدة عن عوالم التنين. وقد لا تكون هذه الفكرة واضحة المعالم بشكل مكتمل إلا أن المشرفين على تنظيم المعرض لم يكن همهم الأساسي السماح للزوار بأخذ فكرة دقيقة عن هذه العوالم طالما أنها من نسج خيال الإنسان مذ خلق. وهذا ما تدل عليه مجسمات كبيرة لثلاثين تنيناً جيء بها إلى المعرض وتنتمي إلى مخيلة القارات الخمس. وصحيح أن أحدها حظي باهتمام خاص لدى زوار المعرض وهو التنين الوحيد الذي يرقد على الأرض لأنه نسخة من اكتشاف أثري حصل في الصين الشعبية عام 1987 وسمح بالعثور قرب قبر لأحد الأعيان على مجسمين لهيكلين مصنوعين من القواقع أحدهما لنمر والآخر لتنين. رموز كثيرة اقترنت الصور التي يحملها الناس عن التنين في الأساطير الشعبية وفي أدب الفنتازيا وعبر أشكاله المتعددة القديمة والحديثة بمزيج من الصور المحمولة عن حيوانات مخيفة في غالب الأحيان ومنها على سبيل المثال الثعابين والخفافيش والنمور والأسود والعقبان. ومن يزور معرض "بلاد التنين" يتعرف على قصص كثيرة من الملوك والأباطرة الذين ساهموا إلى حد كبير في الترويج لمقولة مفادها أن بعض الأشخاص منهم الملوك والأباطرة قادرون على ترويض التنانين (جمع تنين) لجعلها تأتمر بأوامرهم وتدافع عنهم ضد الأعداء والخصوم. كما يتعرف زائر المعرض على الرموز المتعددة التي ظل التنين يرمز إليها لدى الشعوب منذ قديم الزمان. فلدى الإغريق كان هذا الحيوان الأسطوري يرمز إلى حارس الكنوز بينما يرمز اليوم لدى الشعب الإندونيسي وعدة شعوب أخرى في جنوب شرقي آسيا إلى حارس الناس، وهو ما يبرر حضوره المكثف في الاحتفالات والمواسم الشعبية التي يغلب عليها الفرح. أما لدى الصينيين، فإن التنين يرمز إلى الحياة والقوة في الوقت ذاته. ولديه مكانة خاصة في نظام الأبراج الصينية. وأما في أوروبا فإن التنين فرض حضوره بقوة انطلاقاً من القرن الخامس عشر كرمز للشيطان. ألسنة اللهب وللتنين - كما يظهر من خلال إحدى فعاليات معرض "بلاد التنين"- قدرة عجيبة على إثارة الخوف والإعجاب والشعور بالاطمئنان أحيانا من خلال هيئاته المتعددة والأساطير الكثيرة المتناقلة عنه والتي توارثها الأحفاد عن الأجداد منذ الأزمنة الغابرة. فبعض التنانين قادرة على التحليق عالياً في السماء وبعضها يستطيع المشي حتى فوق السحب والبعض الآخر يمشي فوق مياه البحار والمحيطات وينزل تحت أعماق الأرض ويخرج منها بسرعة عجيبة برغم البراكين التي تبتلعه. وغالباً ما يكون التنين قادراً على تحمل حرارة هذه البراكين لأن في جسده نارا ولأن ألسنة اللهب تنطلق منه باستمرار في حله وترحاله كما يبدو من خلال كثير من الأساطير المحمولة عنه. والحقيقية أن منظمي معرض "بلاد التنين" حرصوا على منح زائر المعرض فكرة عن النار المتقدة في مسار التنانين وفي ما ترمز إليه من خلال الاعتماد على رسوم فنان أرجنتيني ولد في بيونس أيرس عام 1963 ويدعي "سيرويلو كبرال". ويُعَدُّ هذا الفنان أفضل الرسامين العالميين المتخصصين في التَّنانِين اليوم. وقد استعان المشرفون على المعرض برسومه لوضع مجسمات ضخمة لِتنَاِنينَ تنفخ النار وتطلق صيحات من افواهها يُذُكر بعضها بزئير الأسود والبعض الآخر بما يُعتقد أنها أصوات الديناصورات وتتحرك كما لو كانت كائنات حية. ولبعض هذه التنانين أرؤس. ويعتقد فريدريك كانار أحد الخبراء الذين شاركوا في الإعداد لمعرض "بلاد التنين" أن هذه التظاهرة من شأنها حمل كثير من زوارها على الإقبال على شراء كتب لم يطلعوا عليها من قبل ولديها علاقة بأدب الفنتازيا والذي يعج بشخوص أسطورية على غرار سلسلة هاري بوتر. والملاحظ أن صاحبة السلسلة هذه هي الكاتبة البريطانية جي كي راولنج. وقد شرعت في كتابتها عام 1997 وانتهت منها عام 2007. وبيع منها حتى عام 2016 قرابة 450 مليون نسخة. وترجمت إلى أكثر من ثمانين لغة. بل إن فريديريك كانار يقول مازحا لبعض زوار المعرض إنهم لم يكونوا يعرفون قبل زيارة معرض "بلاد التنين" أن هذا الحيوان الأسطوري يُعَدُّ اليوم من كبار مشجعي الشباب على المطالعة في زمن طغت فيه وسائل التواصل الاجتماعي على كل وسائل التواصل الأخرى منها الكتاب. -أحد آثار الفنان الأرجنتيني كابرال المتخصص في رسوم التنين -نسخة من مجسم لهيكل تنين صيني مصوغ من القواقع يعود إلى 6 آلاف سنة خلت