رغم أن بداية تكتل دول مجلس التعاون الخليجي الست في اتحاد واحد تجاوزت 35 عاما من عمر الزمان، إلا أن بوادر الازمة الحالية بين الدول الداعية لمكافحة الأرهاب وهي المملكة والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى تنذر بالتأثير سلبيا على هذا التكتل سيما لو طالت الأزمة واستمرت مقاطعة الدول الثلاث لقطر. المتابع لمجريات الأحداث، يستطيع تقسيم مرحلة الاتحاد الخليجي اقتصادياً إلى مرحلتين: المرحلة الأولى، منذ نشأة الاتحاد وحتى نهاية عام 2000، وهي مرحلة فقيرة اقتصادياً، فما عدى إعفاء السلع المصنوعة في دول المجلس أو تلك التي اضيف لها 40% داخل إحدى دول المجلس من الرسوم الجمركية، فلا شيء آخر ذو أهمية اقتصادية يمكن ذكره خلال هذه المرحلة. المرحلة الثانية، منذ قمة مسقط في آخر يوم من 2001 (القمة رقم 22) حتى اليوم، حيث كان إعلان قمة مسقط ولادة جديدة للتعاون الاقتصادي الخليجي، وفيها صدر جدول زمني للتحرك نحو التكامل والاتحاد. بدأت نتائج قمة مسقط بدخول اتفاقية الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ في اليوم الأول من 2003، وتم توحيد التعرفة لتكون 5% للجميع، وأعقبها دخول السوق المشتركة حيز التنفيذ مطلع 2007 وفيها تم تقليص القائمة السلبية (السلع والخدمات التي يمنع على مواطني البلد الآخر الاستثمار فيها) إلى حدها الأدنى. ورغم تعثر الخطوة الثالثة، وهي إطلاق العملة الموحدة في مستهل 2010 حسب إعلان قمة مسقط، إلا أن انسحاب عمان من العملة الموحدة وبعدها الإمارات أخر اطلاق العملة حتى اليوم، إلا أن الأمل بإطلاق العملة الموحدة مازال قائمأ بدليل إنشاء المجلس النقدي الخليجي في الرياض قبل عامين تقريباً، فالمجلس ماهو إلا نواة لإنشاء بنك مركزي خليجي موحد على غرار ماتم في تجربة الاتحاد الأوروبي. وبالتأكيد لم تخل تجربة الاتحاد الخليجي خلال تاريخها من الخلافات والتراجعات، إلا أن مركبة الاتحاد سرعان ماتعود إلى الطريق بعد فترة حينما يعود الوئام والهدوء، وقليل جداً أن يؤثر أي خلاف سياسي بين قادة دول المجلس على مجريات العمل نحو تحقيق التكامل الاقتصادي. ولاشك أن مقاطعة الدول الثلاث لقطر اليوم هو أقوى اختبار تمر به تجربة التكامل الاقتصادي الخليجي، فالمقاطعة دخلت شهرها الثالث ويبدو أنه لاحلول قريبة في الأفق، كما يلاحظ غياب صوت الأمانة العامة للمجلس في التعليق على أثر الأزمة اقتصاديا على اتفاقية التكامل. وإذا ما أصرت قطر على موقفها واستمرت مقاطعة الدول الثلاث لها لفترة أطول، فالأكيد أن تجربة التكامل الاقتصادي الخليجي ستكون تحت ضغط كبير، وربما أدى للتراجع عنها أو عن بعض بنودها، سيما والمقاطعة تتضمن منع انتقال السلع والأشخاص ومنع هبوط الطائرات وغيرها، وهو مايعني ضمنياً تعليق اتفاقية التكامل الاقتصادي حاليا فيما يتعلق بقطر. وسيتضح خلال الأشهر القليلة المقبلة إن كانت الوحدة الخليجية ستعود وتستمر كما كانت- وهو مايتمناه الجميع- أو أنها ستستبعد قطر نهائيا وتستمر بين خمس دول فقط في مرحلة السوق المشتركة وثلاث دول فقط هي السعودية والكويت والبحرين في مرحلة الوحدة النقدية، وإن كانت المرحلة الأخيرة لن تتحقق على الأرجح سواءً بقيت قطر في منظومة التعاون الخليجي أو خرجت منه.