صورة تدعو إلى كثير من الأسى تلك التي تُظهر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر وهو يُقبل رأس أحد أعضاء تنظيم الاخوان المدعو يوسف القرضاوي. صورة فيها الكثير من التساؤلات التي تدعونا للتفكير عن ما هو الغرض من فعل ذلك من قِبل رئيس دولة تجاه شخص متهم بالإرهاب ومطلوب للعدالة في بلده جمهورية مصر العربية. صوره فيها الكثير من علامات الاستفهام التي تجعلنا نتساءل حول العلاقة التي تربط بين رئيس دولة في مجلس التعاون لدول الخليج العربي وشخص مطلوب دوليا بتهمة انتمائه لتنظيم محظور. صورة فيها الكثير من علامات التعجب تلك التي تدعونا للتفكير كثيرا حول التقدير الكبير الذي يُكنه الشيخ تميم بن حمد لشخص القرضاوي ولماذا يُقدمه على جميع رجال الدين القطريين المعتدلين. صورة فيها الكثير من المتناقضات بين توجهات دول مجلس التعاون المعتدلة سياسياً والوسطية دينياً وتوجهات شخص القرضاوي المنتمي لتنظيم سياسي ذي توجهات متطرفة. صورة فيها الكثير من الاستفزاز لأبناء الشعب القطري بشكل خاص عندما يشاهد رئيس دولته الشيخ تميم بن حمد يُقبل رأس شخصية غير قطرية متهمة ومصنفة دولياً بدعم التطرف والإرهاب. الشيخ تميم قد يكون مدركاً بأن من أوصله للحكم هو القرضاوي الذي يستطيع التأثير على حكمه إذا لم يستمر في ابداء اعجابه به وتقديره له.. لو لم تكن هناك صورة منقولة ومشاهدة عبر وسائل الاعلام لم نكن لنصدق أن الشيخ تميم بن حمد فعل ذلك أو على أقل تقدير فكر بأن يُقبل رأس القرضاوي، ولكن بما أن الصورة مشاهدة وموثقة عبر وسائل الاعلام فإن ذلك يدعونا إلى أن نتفكر في الأمر ونطرح المسألة حول لماذا فعل ذلك وما هو الدافع من وراء ذلك الفعل وإلى متى سوف يستمر في ذلك التوجه. فإذا أردنا أن نعرف لماذا أقدم الشيخ تميم على تقبيل رأس القرضاوي، فيمكن أن نطرح ذلك في عدة نقاط، منها: أولاً: أن الشيخ تميم بن حمد يسير على نهج والده الشيخ حمد بن خليفة الذي بادر بتقدير القرضاوي وبتقريبه من مجلس الحكم في بادرة لم تتح لكبار رجال الدين من أبناء الشعب القطري. فالشيخ تميم استمر على نهج والده مُقلداً له غير مدرك لماهية الفعل. ثانياً: ان الشيخ تميم بن حمد يرى بأن للقرضاوي فضلاً في وصوله للسلطة. فالقرضاوي قد يكون لعب دوراً رئيسياً في اقناع الشيخ حمد بن خليفة بتعيين نجله تميم ولياً للعهد لاعتبارات يراها القرضاوي مفيدة له في المستقبل نتيجة معرفته الوثيقة بمجلس الحكم في دولة قطر وبشخصية الشيخ تميم بشكل خاص. ثالثاً: أن الشيخ تميم بن حمد يعلم علماً يقيناً بأن استمراره في الحكم وقيادة الدولة القطرية مرتبط ارتباطاً وثيقاً برضا ودعم القرضاوي. فالشيخ تميم قد يكون مدركاً بأن من أوصله للحكم هو القرضاوي الذي يستطيع التأثير على حكمه إذا لم يستمر في ابداء اعجابه به وتقديره له. أما إذا أردنا أن نعرف ما هو الدافع الذي جعل الشيخ تميم يُقبل رأس يوسف القرضاوي ويظهر له التقدير والاحترام والتبجيل، فيمكن القول بأن المحافظة على السلطة بشكل عام ووجوده في السلطة بشكل خاص هو الدافع الرئيسي لفعل ذلك. ويمكن قراءة ذلك من التوجهات السياسية لدولة قطر خلال العشرين عاماً الماضية. فمنذ الانقلاب السياسي الذي قام به الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة عام 1995م قام على استقطاب معظم قادة تنظيم الاخوان المنبوذين دولياً والمطاردين أمنياً وآواهم في قطر ومنح الكثير منهم المواطنة القطرية ومكنهم من السلطة الدينية والثقافية والتعليمية والاعلامية والصحية وقربهم من مجالس الحكم. وبما أن الشيخ حمد بن خليفة لا يتمتع بالعمق الفكري ولا التفكير الاستراتيجي ولا المعرفة السياسية استطاع تنظيم الاخوان استغلال الوضع القائم وجهل الشيخ حمد بن خليفة لتوجيه الدولة القطرية دينياً وثقافياً وتعليمياً واعلامياً وصحياً بما يتناسب مع توجهات تنظيم الاخوان الفكرية والثقافية والأيديولوجية والسياسية. هذا العمل السياسي المنظم الذي قام به المنتمون لتنظيم الاخوان وعلى رأسهم القرضاوي استطاع أن يُسيّر السياسة القطرية خلال مدة قصيرة جداً لتكون متطابقة مع توجهات وأفكار تنظيم الاخوان. هذا العمل الدؤوب لتنظيم الاخوان في داخل قطر خلال العشرين عاماً الماضية مكنّهم من التحكم في جميع السلطات الرئيسية في الدولة القطرية وبالتالي التحكم في سياساتها وتوجهاتها الدولية. هذا الوضع المتقدم من تمكن تنظيم الاخوان من مفاصل السلطة في دولة قطر هو الذي يدفع بالشيخ تميم بن حمد لأن يُقبل رأس القرضاوي لأنه يعلم بأن سلطة القرضاوي أقوى من سلطته، وبأن صوت القرضاوي أقوى من صوته، وبأن وجهة نظر القرضاوي أهم من وجهة نظره، وبأن شرعية القرضاوي الدينية أقوى من شرعية رجال الدين القطريين، وبأن سلطة القرضاوي السياسية عملياً أقوى من سلطته. هذا يجعلنا ندرك بأن رئيس دولة قطر يدين بوصوله للسلطة والبقاء فيها لتنظيم الاخوان وعلى رأسه القرضاوي. وإذا ما أردنا أن نعرف إلى أي مدى يمكن أن يستمر الشيخ تميم بن حمد في تقبيل رأس القرضاوي، فيمكن القول بأن هذا الوضع سوف يستمر طويلاً في المستقبل بناء على واقع الحال في دولة قطر. فتنظيم الاخوان وعلى رأسه القرضاوي تمكنوا تمكناً كبيراً وسيطروا سيطرة شبه كاملة على مفاصل الدولة القطرية. فمن سيطرتهم على التوجهات الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية والصحية إلى سيطرتهم على التوجهات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والتي اتضحت بشكل مباشر من تواجد القوات التركية على الأراضي القطرية. فتنظيم الاخوان الذي يحكم الدولة القطرية والذي لم ولن يثق بأبناء الشعب القطري وخاصة من المنتمين للقطاعات العسكرية الأمنية والدفاعية قام باستدعاء القوات العسكرية التركية لكي توفر لتنظيم الاخوان الحماية من أبناء الشعب القطري وتمكنهم من الاستمرار في حكم الدولة القطرية. هذا الوضع الذي سوف يستمر طويلاً لن يقتصر على وجود شخص القرضاوي من عدمه، فتنظيم الاخوان قادر على صناعة قرضاوي آخر في حال غاب القرضاوي عن المشهد السياسي لأي سبب. فالتنظيم هو الذي يحكم والشيخ تميم ما هو إلا واجهة سياسية واعلامية. وفي الختام يمكن القول إن صاحب السيادة في دولة قطر هو تنظيم الاخوان وعلى رأسه القرضاوي. هذا التنظيم الذي استطاع العمل بكل مكر خلال العشرين عاماً الماضية تمكن من اقتلاع الدولة القطرية من محيطها الخليجي لينقلها إلى محيط آخر مختلف تماماً فكرياً وثقافياً وايديولوجياً. وهذا التنظيم الذي استطاع العمل بكل خُبث لتغيير التوجهات السياسية في دولة قطر عن محيطها الخليجي نجح في جعل التوجهات القطرية متطابقة مع التوجهات التركية ومتقاربة مع التوجهات الإيرانية. وهذا التنظيم الذي استخدم كل أساليب الخداع والتغرير اقترب أو تمكن من تحقيق حلمه بالسيطرة على دولة قطر التي تملك موارد مالية كبيرة تمكن التنظيم من تحقيق تطلعاته المتطرفة وخططه الهدامة والتخريبية واحلامه غير العقلانية. وهذا التنظيم تمكن من تسويق وفرض اجندته السياسية على قادة دولة قطر حتى أصبحوا أدوات وواجهات إعلامية تُدار من قبل التنظيم. فهل بعد هذا تبقى للشيخ تميم شيء من السيادة لإدارة الدولة القطرية؟ وهل تبقى للشعب القطري سلطة حقيقية وسيادة لدولته؟ وهل كان الشيخ حمد بن خليفة الذي جلب تنظيم الاخوان يدرك أهدافهم البعيدة واجندتهم السرية؟