ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الرياض» تسبر أغوار الملف الدموي (للإخوان المسلمين)
نشر في الرياض يوم 01 - 08 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
طوع النص القرآني وأوّل الأحاديثوفق الحكم الديني الذي أوحى لهبه خياله
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
شكري مصطفى دعا أتباعه إلى هجرة المساجد كونها «مساجد ضرار» و«معابد للجاهلية»
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
الشيخ الذهبي كان الشخص الوحيد الذي تصدى لأفكار الجماعة وطالبها بالمناظرة
شكري مصطفى استخدم العنف ضد المخالفين وتبنى مقولات «جاهلية» المجتمعات
(جماعة المسلمين) كما أطلقت على نفسها، والمعروفة إعلامياً ب (جماعة التكفير والهجرة)، هي جماعة غالت في فهم الآيات القرآنية ونهجت نهج الخوارج في "التكفير بالمعصية".
نشأ هذا التنظيم داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، وبعد إطلاق سراح أفرادها، تبلورت أفكارها، وكثر أتباعها، خصوصاً في صعيد مصر، وبين طلبة الجامعات.
اختار مؤسسها شكري مصطفى تسمية التنظيم ب (جماعة المسلمين)، مستنبطاً هذا الاسم من بعض أحاديث المصطفى الآمرة بلزوم الجماعة، والمحذرة من مفارقتها، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، فأخذوا لفظ الجماعة الوارد في الحديث وأطلقوه على جماعتهم.
قتلوا الشيخ الذهبي برصاصة في عينه اليسرى (العين التى يسكن فيها الشيطان)
وبخصوص الألقاب التي أطلقت على الجماعة من طرف وسائل الإعلام فهي عديدة ومنها: أهل الكهف، جماعة التكفير والهجرة. كما أطلقوا عليها ألقاباً تضم تعابير السب والشتم مثل: عصابة الدم والإرهاب، وعصابة النهب والسلب، والثعابين السامة، إلا أن تسمية "جماعة التكفير والهجرة" ظل من أكثر الأسماء التي التصقت بالجماعة وعُرفوا بها بسبب تكفيرهم للمجتمعات الإسلامية، ووجوب الهجرة منها إلى بلد يطبق فيه شرع الله، ثم بعد ذلك تنطلق الجماعة لنشر الإسلام في الأرض في إعادة لإحياء النهج النبوي في الدعوة الإسلامية بين المرحلة المكية والمرحلة المدنية.
سجّلت جماعة التكفير والهجرة أبرز انشقاق في صفوف الإسلاميين في مصر في حقبة السبعينيات، من خلال تبنيها لأفكار راديكالية وكذا مبدأ الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الاعتزال والهجرة ثم استخدام العنف ضد المخالفين تحت مبررات يغلب عليها طابع التشدد الديني، والفهم الضيق للنص القرآني وتبنت مقولات "جاهلية" المجتمعات القائمة وحتمية تغييرها. كما تميزت بقولها أن كل من لا يدخل "جماعة المسلمين" وقد بلغه الأمر ووصلته "الدعوة" وأقيمت عليه الحجة فهو كافر خارج من ملة الإسلام.
وفي عرف شكري مصطفى، مؤسس الجماعة، تمر الجماعة الإسلامية بمرحلتين أساسيتين:
مرحلة الاستضعاف وهي تلك التي تتم فيها الهجرة وتكوين "يثرب المعاصرة"، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة "التمكين" وتعني "الصدام مع الكفار"، على أن المرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحاري.
ولا تختلف تقعيدات شكري مصطفى عن سياقات النهج الإخواني من خلال تبني أطروحة إعادة إحياء الخلافة الإسلامية ومصطلحات "التمكين" والفصل بين مراحل الاستضعاف وقوة الشوكة التي تبقى شرطاً أساسياً لإعلان المواجهة المسلحة مع الأنظمة "المرتدة" في أفق حسم الصراع على رأس السلطة.
وبالرجوع إلى كتاب "أيام من حياتي" للإخوانية المثيرة للجدل زينب الغزالي، نجدها تطرح نفس التأصيلات الفقهية والأطروحات العقدية مع اختلاف في تطبيق عقيدة الانعزال والهجرة، والتي ترى جماعة الإخوان أنها "عزلة شعورية" فيما يفرض شكري مصطفى "العزلة الحسية والمكانية" بعيداً عن واقع المجتمع "الجاهلي".
تدريجياً اختفت الجماعة بعد إعدام شكري مصطفى وأربعة من رفاقه، بعد جريمة اختطاف واغتيال وزير الأوقاف المصري الشيخ حسين الذهبي فى يوليوز من سنة 1977م.
من هو شكري مصطفى؟
إنه شكري أحمد مصطفى (أبو سعد) من مواليد قرية الحواتكة بمحافظة أسيوط 1942م، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965م وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرين عاماً، وقد تم اعتقاله مع مجموعة من الشباب بتهمة توزيع منشورات لجماعة الإخوان المسلمين، وفي هذه الفترة تعرف على كتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي.
تولى قيادة الجماعة داخل السجن بعد تراجع وتوبة ملهم الجماعة الشيخ علي عبده إسماعيل (الإخواني الآخر وأخو عبدالفتاح إسماعيل الذي أعدم في قضية سيد قطب). وفي عام 1971م أفرج عنه ليبدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته.
تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين، فعَيَّن أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات مصر.
إن عملية التأصيل الفقهي لفكر جماعة التكفير والهجرة تبقى جد صعبة ومحفوفة بغير قليل من مخاطر التوغل في مستنقع التجاذبات الفقهية والكلامية، وذلك راجع بالأساس لكون "المخطوطات" التي اعتبرت دساتير الجماعة، لم يتم نشرها ولم نستطع رغم بحثنا بين ثنايا المكتبات وكذا الشبكة العنكبوتية الوصول إليها، باستثناء رسالتهم المرجعية المُعنونة ب"إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها". غير أن مواقف الجماعة التي تواترت حولها الروايات، يمكن أن تساعد في رسم معالم التفكير والتنظير لهذا التنظيم الخطير.
تكفير المجتمع
إن الخلاصة العقدية التي وصل إليها شكري مصطفى وأتباعه، هي تكفيره للمجتمع والحكام جملة واحدة باعتماده على عموميات النص ومحاولة تطويع النص القرآني وتأويل الأحاديث الشريفة وفق الحكم الديني الذي أوحى له به خياله. جاء في رسالتهم "إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها": "إن لفظة الكفر ما جاءت في الشريعة إلا لتدل على عكس الإيمان وانتفائه، وهي تعبر عن حكم عام يشتمل على عدة أنواع ولكل نوع منها اسم عَلم خاص به كالفسق والظلم والخبث. فحينما يقول الله تبارك وتعالى: "وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون"، فإن جميع الثلاثة كفر من حيث الحكم العام مختلفين (كذا) من حيث أسماء الأعلام ومداخل الكفر".
من خلال هذا التأصيل، فإن الجماعة تعتبر أن من عصى الله "مرة" فقد خرج من دين الله ولو آمن المرء بقلبه ولم تتحرك جوارحه. يقول شكري مصطفى في نفس الوثيقة: "لم يحدث أن فرقت الشريعة بين الكفر العملي والكفر القلبي، ولا أن جاء نص واحد يدل أو يشير أدنى إشارة إلى أن الذين كفروا بسلوكهم غير الذين كفروا بقلوبهم واعتقادهم، بل كل النصوص تدل على أن عصيان الله عملاً والكفر به سلوكاً وواقعاً هو بمفرده سبب العذاب والخلود في النار والحرمان من الجنة -نعوذ باالله من ذلك-".
وفي مسألة التقليد واتباع المذاهب، شنت جماعة التكفير والهجرة هجوماً على التقليد، واتهموا من أباح التقليد وإجازة، وزعموا أن أول كفر وقع في الملة كان عن طريق التقليد. ويقولون في ذلك: "المقلد عندهم - المسلم بزعمهم- هو من يقلد المجتهد ويأخذ عنه المسألة الفقهية ويقبل حكمه فيها من غير أن يسأله عن الدليل"، وسنثبت بإذن الله أن أول كفر وقع في هذه الأمة هو كفر التقليد أو ترك الهدى -الاجتهاد فيه- إلى التقليد". وهنا يُقِرّ شكري مصطفى أن الاجتهاد فرض عين على المسلم الذي يجب عليه أن يأخذه من القرآن والسنة مباشرة دونما وسائط ولا مذاهب، فقد يسّر الله القرآن للذاكرين وجعله متاحاً لمن أراد التدبر في معانيه واتباع ما أمر به الله أن يتّبع. كما أفتت جماعة شكري مصطفى بكفر من يعتقد ّبأن الإجماع حجة، لأنه يتخذ الرجال آلهة وأرباباً من دون الله سبحانه وتعالى.
ولعل من أخطر الثوابت التي بنا عليها شكري مصطفى دعوته هي ضرورة "الاعتزال" عن المجتمع "الجاهلي الكافر" وبذلك كانت تسميتهم بالتكفير والهجرة. يقول شكري مصطفى:"يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات - بل سائر المخلوقات - لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر. إنها ما يسمونه (بالاصطلاح الحديث) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الاعتزال بالمعنى اللغوي الشرعي".
وعن طبيعة العزلة التي يطرحها شكري مصطفى، يصرح بالقول: "ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين - يومئذ - لا تكون منهم حتى تفرض عليهم؟ فيجيب ويقول: "إن الذي يقول: إن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس قد كذب القرآن وسنة الرسل -وأباهم إبراهيم- حيث يقول الله تعالى على لسانه "واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً". ويقول تعالى:"وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً".
إنها دعوة صريحة للهجرة واعتزال المجتمعات "الكافرة" والتحصن بجبال الطبيعة قصد التمكن من إفراد الحاكمية لله عند هذه الجماعة، فيما يطلق عليه بالمرحلة المكيّة للدعوة، وهنا تقول جماعة شكري: "إن الاعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشيء الذي، تطبقه حينئذ، إنه أقل درجة من درجات الإنكار، والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله، إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض".
ونعيد للتأكيد على نقطة الربط المنهجية في البناءات الفقهية لشكري مصطفى في اعتبار مفهوم الهجرة والاعتزال لا يختلف عن مصطلح العزلة الشعورية عند سيد قطب إلا في تفاصيل الاعتزال. فسيد قطب يجعلها عزلة شعورية وحسية مع واقع الاتصال والاستعلاء الإيماني عند العصبة المؤمنة، بينما يراها شكري مصطفى اعتزالاً جسدياً وهجرة إلى فيافي الطبيعة.
معتقد الجماعة في التكفير
* كل من يرتكب معصية فهو كافر وكل معصية هي شرك.
* ضرورة تأدية كل الفرائض و إذا نقص فرض واحد منها فقد أحبط الجميع.
* كل مسلم بلغته دعوة "جماعة المسلمين" ولم ينضم إليها فهو كافر بعد وقوع الحجة عليه.
* الكافر عقابه القتل حيث أن أصل الحكم في الكافر إنه حلال الدم والمال والعرض.
خلاصة المعتقد في الهجرة يرتكز على:
* هجرة ما نهى الله عنه من آلهة تعبد من غير الله وهجرة المعاصي التي نرتكبها.
* هجرة معابد غير المسلمين، والمسلم عند "شكري مصطفى" هو المنتمي لجماعة المسلمين فقط.
* هجرة العادات والتقاليد والملابس والأزياء ودور اللهو والنوادي واعتزال الناس.
* هجرة الوطن كله إلى أرض لا يعبد فيها إلا الله والتبرأ من كل شيء.
* هجرة "مصر" حتى يتمكنوا من إعداد العدّة في أرض أخرى للعودة ومقاتلة الكفار. ومهاجمة النظام للاستيلاء على الحكم بالقوة، فالإسلام هو دعوة "تنتشر" ثم هجرة "تنصر" إلى أرض لا يعبد فيها إلا الله ثم الإعداد لقتال الكفار تحت منظومة الجهاد الأكبر.
وقد دعا شكري مصطفى أتباعه إلى هجرة المساجد لكونها "مساجد ضرار" و"معابد للجاهلية" لا يُعلم مصدر أموال من بناها، باستثناء أربعة مساجد وهم: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد قباء والمسجد النبوي وعدم وجوب أداء صلاة الجمعة لكونها تسقط بسقوط الخلافة (وهذا نفس طرح سيد قطب).
هذه بعض الأفكار التي شدّت بها الجماعة عن عامة التيارات الإسلامية وأفرطت في الغلو والتكفير حتى لم يبق، في نظرها مسلم، إلا من هو منتمي لجماعتها. ولعل من أبرز الجرائم التي قامت بها الجماعة هي اختطافها وقتلها لوزير الأوقاف المصري الشيخ محمد حسين الذهبي يوم 4 يوليوز 1977 لأنه كان الشخص الوحيد الذى تصدى لأفكار جماعة التكفير والهجرة، بنفس المنطق، وبنفس القواعد، وهم أدركوا ذلك، فحذروه لكنه أبى، فخطفوه واغتالوه.،
خطف الشيخ الذهبي وقتله
عقب أن صلى الشيخ وزير الأوقاف الأسبق الفجر، يوم الأحد 3 يوليو 1977، وعاد لمنزله بحدائق حلوان، وهم بالعودة للنوم، دق جرس الباب، ففتح ابنه الدكتور مصطفى الباب، ليفاجأ بخمسة رجال، أحدهم بملابس الشرطة برتبة رائد، وهو من سأل عن الشيخ، فدعاهم لدخول الصالون وتركهم ليوقظ والده، فإذا بأحدهم يتبعه ليوشك على الدخول معه فمنعه، وقال له إن للبيوت حرمة، وعلى الصوت هب الشيخ من نومه، فقال له ابنه، إنهم من مباحث أمن الدولة!!.
أدرك الشيخ أنهم جماعة التكفير، وهم ليسوا لصوصًا لأنه ليس ثريًا، وليس عنده ما يجعل أحدًا يطمع به، سوى منزله، ومكتبته المليئة بالكتب، ومقبرة اشتراها قبل مقتله بشهر واحد بمقابر الإمام الشافعي، كما أنه لم يفعل ما يستثير الأمن مطلقًا، ولم يدخل في معارك مع أحد سوى مع الفاسدين في وزارة الأوقاف.
لم يدعه إرهابيو التكفير والهجرة يكمل ملابسه، فشدوه بين أولاده المحيطين به، أسامة ومحمد ومصطفى وعزة وفاطمة وأسماء وسعاد، ووضعوه في سيارة وركب باقي المجموعة في سيارة اخرى. لم تعرف الداخلية من الذي اختطف الشيخ، إلا بعد إعلان الجماعة مسئوليتها عن الحادث، حيث أصدرت بيانًا طالبت فيه، وفق الموسوعة الأمنية للأستاذ مختار نوح، ب"الإفراج الفوري عن أعضاء الجماعة المقبوض عليهم، وكذلك المحكوم عليهم في قضايا سابقة، ودفع مائتي ألف جنيه كفدية، واعتذار الصحافة المصرية عما نشرته من إساءات في حق الجماعة، وكذلك نشر كتاب شكري مصطفى (الخلافة) على حلقات بالصفحة الأولى في الصحف اليومية، وتسليم الطفلة سمية ابنة رجب عمر، أحد أعضاء الجماعة المنشقين عليها لأمها، التي تمسكت بعضويتها في الجماعة، ورفضت الذهاب مع زوجها".
توسط المحامي شوكت التوني، بين الأمن والجماعة، ليمد من أجل إنذار قتل الشيخ الذهبي من الساعة 12 ظهرًا إلى الخامسة مساء.
وافق المهندس عثمان أحمد عثمان، صديق الشيخ الذهبي، على دفع الفدية، لكن رئيس الوزراء المصري الأسبق ممدوح سالم رفض شروط الجماعة، وقال (دول شوية عيال، وكل شيء سينتهي على ما يرام بعد ساعة أو اتنين).
انتظر شكري مصطفى للصباح، ليتابع الحلقة الأولى من كتابه (الخلافة) في الصحف اليومية، ولما فوجئ بخلوها من كتابه، أصدر أمرًا فوريًا بقتل الشيخ.
ربطوا الشيخ في السرير، ودخل عليه أحمد طارق عبدالعليم، ضابط شرطة سابق، وأطلق رصاصة فى عين الشيخ اليسرى، وهو يقول، (العين التى يسكن فيها الشيطان).
وصلت معلومات للداخلية حول إحدى الشقق في مدينة الأندلس، بالهرم، وتم القبض على شخصين من أعضاء الجماعة ومدفع رشاش وألف طلقة، وأثناء تفتيشهم الشقة، دخل شخص ثالث ولم يكن يدري بما يجري، وفي يده رسالة، ولما رأى الشرطة حاول ابتلاعها، وكانت رسالة بالشفرة من أمير الجماعة، تتضمن الأمر بنقل جثمان الدكتور الذهبي من الفيلا بشارع محمد حسن، على عربة كارو، بعد إجراء عمليات الإخفاء والتمويه، وزيادة كمية النشادر منعا لتسرب أي رائحة، وبعدها تنقل داخل إحدى السيارات إلى منطقة أبوقتاتة لتلقى في أحد المصارف، وكان نصها: "تنفيذاً للدور الذي كلفتم به نرجو أن تعدو خيشاً ونشادر وعربة يد لنقل البضاعة من المكان المعروف إلى ترعة الزمر".
عثرت الشرطة على جثمان الشيخ حافيًا معصوب العينين بشال أبيض، راقدًا بجلبابه الأبيض، وغارقًا في الدماء فوق الفراش وبجانبه نظارته الطبية، وطلقة رصاص فارغة وأخرى مستقرة في عينه اليسرى. فى يوم 11 أغسطس تم القبض على أحمد طارق عبدالعليم في منطقة ساقية مكي في الجيزة بعد قرابة أربعين يوماً من هروبه وتزامن القبض عليه مع إعلان المدعي العام العسكري لقرار الاتهام بالقضية.
في نهاية الأمر تم إلقاء القبض على جميع قيادات الجماعة وتم إعدام شكري مصطفى وأربعة من رفاقه وهم: أحمد طارق عبدالعليم، أنور مؤمن صقر، ماهر عبدالعزيز بكري ومصطفى عبدالمقصود غازي. وبذلك طويت صفحة إحدى أخطر التنظيمات التكفيرية ولو إلى حين.
شكري مصطفى.. إخواني نفذ جريمته الشنعاء باسم الدين
الشيخ محمد الذهبي تصدى للأفكار المنحرفة ل(التكفير والهجرة) فقتلوه
محاكمة عناصر (التكفير والهجرة) أخذت بعداً إعلامياً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.