تشهد مدينة سيدنيبأستراليا احتفاءً بأعمال الفنانين من السكان الأصليين Aboriginal artists، ويجيء هذا الاهتمام ضمن اعتراف تم تدريجياً باستقلالية الأقلية من السكان الأصليين لأستراليا ومنحهم حقوقاً عادلة بعد تاريخ من التهميش من قبل المستعمرين الأوروبيين، تماماً كما فعل المستكشفون الأوروبيون مع سكان القارة الأميركية من الهنود الحمر. ومؤخراً تعزز خاصة الاهتمام بفنون السكان الأصليين هذا الفن الذي نادراً ما تم الالتفات له رسمياً ولم يسبق وتصدر اهتمام الجهات المختصة بأستراليا، لكن ذلك التهميش تراجع بعض الشيء حيث تم منذ بداية شهر يونيه 2017 اختيار أعمال خمسة من الفنانين الأصليين وتوظيفها في عمل فيديو فني ليتم عرضه ليلياً ولمدة عام كامل على مبنى دار الأوبرا بسيدني، هذا المبنى الفريد في عمارته والذي يأخذ شكل أشرعة مركب محلقة في المكان ويعتبر من أهم رموز العمارة التعبيرية في القرن العشرين، وهو من تصميم المعماري جورن أوتزون Jorn Utzon، واستغرق إنشاؤه ما يقارب الخمسة عشر عاماً منذ عام 1959حتى عام 1973 حين تم افتتاحه ليستوعب في مختلف مسارحه عدد 5738 مشاهداً. فيلم فيديو الرسوم المتحركة الليلية المعروض على أشرعة دار الأوبرا مدته سبع دقائق ويحمل عنوان "النور المائي water light أو بلغة السكان الأصليين Badu Gili"، ولقد حرصت المنظمة للعرض على أن يجمع ذلك الفيديو الفني بين أعمال فنانين يمثلون مختلف أنحاء أستراليا وجزر مضيق توريس، بما في ذلك الفنان من كوينزلاند جوديث واري، والفنان الشاب فرانسيس باركر من نيوساوث ويلز، وفنان مضيق توريس أليك تيبوتي، بالإضافة لأعمال الفنانين الراحلين بويرل من الإقليم الشمالي، والفنان أونوس من فيكتوريا. ولقد تم التنسيق بين أعمال أولئك الفنانين الخمسة لتخرج في هيئة عرض موسيقي وتشكيلي يسرد قصصاً أشبه بالأساطير، تحتفي بالتغيرات الموسمية في النباتات والحيوانات التي هي في صلب الحياة البيئية وتأثيرها على المخيلة الشعبية في تلك القارة النائية، حيث تجمع بين غرائب الطبيعة و عصارة الخيال العلمي، وحسب تعبير مديرة ذلك البرنامج الإحيائي السيدة رودا روبيرتس Rhoda Roberts "إنها ملاحم فنية هي أشبه ببوابة لحضارة وثقافة الأمم الأسترالية الأولى تثري ال 8.2 ملايين زائر لدار الأوبرا سنوياً". وترافق الأخيلة المتحركة موسيقى تصويرية إليكترونية ما هي إلا مخلوقات صوتية هي ذروة في الحداثة تتلاقح مع مشاهد المخلوقات الأسطورية التجريدية، هذا التضاد بين الحديث والقديم الذي يثري العرض الفني القادم من أزمان لا تُحْد، ولقد تم تنسيق الموسيقى من قبل المنتج البرازيلي الشهير آمون توبين، بحيث تنجح الأخيلة المتحركة مع الموسيقى الجريئة في بعث مبنى الأوبرا الخرافي المجنح بأشرعته وتحويله لكائن حي يتنفس، حيث وحسب تعبير المدير للفيديو الموسيقي الفنان آش بولاند، "فإن كل مخلوق من تلك المخلوقات المتشكلة يمثل مشاعر مختلفة لمخلوق خرافي يخرج للحياة نافثاً غرابته وباعثاً القشعريرة في أرواحنا". وإن هذا العرض ليعكس وعي المسؤولين الأستراليين بأهمية الفن في تعزيز هوية الشعوب وأنه لم يُقَيِّض لشعب أن يبرز عالمياً إلا من خلال منجزاته الحضارية قديمها وحديثها، إذ تعتمد الشعوب المتقدمة فنونها وموروثها في استقطاب احترام واهتمام العالم وتحقيق مكاسب اقتصادية في ذات الآن، حيث صارت السياحة من أهم مصادر الدخل الدولية، ويكفي أن نعرف أن العرض في دار أوبرا سيدني قد نجح السنة الماضية في استقطاب 2.3 مليون متفرج ضخوا في اقتصاد أستراليا ما يقارب ال 82 مليون دولار أميركي. مشاريع مثالية تنبع من وعي دولي عميق بأهمية تنويع مصادر الدخل والذي يمكن القول بأنه يعتمد عليه بقاء أو فناء الأمم مستقبلاً.