لقد جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي تعبيراً من القادة عن أسس الإخاء والمحبة والتعاون بين دولهم، وهو امتداد وتطور طبيعي لعلاقات أزلية بين أبناء هذه المنطقة. ومن خلال هذا المجلس سعت المملكة العربية السعودية إلى تطوير التعاون مع جميع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز وتنمية العلاقات في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية فيما يعود بالنفع والخير على جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وشعوبها. والعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة علاقات تاريخية تحكمها أواصر المحبة والأخوة والقربى والمصير المشترك، ومجلس التعاون هو المظلة التي تحمي دوله، ومن خلاله تحل الخلافات ويتم تقريب وجهات النظر. وملوك المملكة من المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعتلوا -بمواقفهم التاريخية الخالدة لتقديم يد العون والمساعدة لدول الخليج على مر عقود عديدة مضت- قممَ المجد، وليسجل لهم التاريخ أنبل المواقف في صفحات ذهبية. وسجل التاريخ للملك الراحل فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- وقفته الشجاعة، إبان احتلال العراق للكويت عام 1990 وحرب التحرير، ونتذكر كلمته الشهيرة: "يا تبقى الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية" والتي تؤكد على المصير المشترك. كما سجل التاريخ في مارس 2011 أن المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- كانت في مقدمة دول الخليج التي استجابت لطلب البحرين التي شهدت اضطرابات واسعة، وأرسلت أكثر من ألف جندي من قوات "درع الجزيرة"، للحفاظ على أمن مملكة البحرين واستقرارها طبقاً لاتفاقية الدفاع المشترك وحماية أي دولة خليجية تتعرض لأي تهديد أمني أو خارجي. ويسجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- توجيهه ببدء "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة، ومد يد العون للسلطة الشرعية في البلاد، معززاً بقرارات أممية، ومواثيق عربية، ومعاهدات دفاعية مشتركة، إضافة إلى الطلب الرسمي من الرئيس الشرعي لليمن الرئيس عبد ربه منصور هادي، لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجاءت "عاصفة الحزم" لردع الأطماع الأجنبية المتمثلة في التدخل الإيراني السافر في الشأن اليمني، ومساعدتها الانقلابيين في السيطرة على مقدرات الدولة اليمنية، وتهديد المحيط الإقليمي، والمصالح الدولية في بحر العرب. وما دمنا في حضرة التاريخ وسجلاته، فإنه لابد لنا من الرجوع إلى الرسالة التي بعثها الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني (حكم قطر في الفترة من 1331ه إلى 1368ه) إلى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ويطلب فيها المساعدة؛ حيث يقول فيها: "أوصانا الوالد الشيخ محمد بن ناصر ببعض الكلام ليبلغكم إياه من الرأس. وتعرف سلّمك الله أني ما عاد لي عضد أو ذخر إلا الله ثم جلالتكم في جميع الحالات". وأورد الشيخ عبدالعزيز التويجري هذه الرسالة في كتابه "عند الصباح يحمد القوم السرى" وقد اشتمل الكتاب في فصوله الخمسة على العديد من الرسائل من الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وإليه. وخصص التويجري الفصل الرابع من الكتاب للرسائل المتبادلة بين الملك عبدالعزيز وبعض إخوته من أمراء دول الخليج. ومن تلك الرسائل رسالة الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني الذي حكم دولة قطر في الفترة من 1331ه إلى 1368ه. وعندما يكتب الشيخ عبد العزيز التويجري التاريخ فإن كتابته تختلف عن كتابة المؤرخين، يقول عنه الدكتور غازي القصيبي: "هذا الرجل الذي ينفي أنه أديب أو مؤرخ أو سياسي قدم للأدباء والمؤرخين وطلبة السياسة هدية لا تقدّر بثمن، هدية سيظل الأدباء والمؤرخون وطلبة السياسة يشكرونه عليها زمناً طويلاً من أعمق الأعماق". الملك فهد مؤكداً على وحدة المصير: «يا تبقى الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية» ويقول التويجري في إهدائه للجزء الثاني "عند الصباح يحمد القوم السرى": "إلى كل أخ في المملكة العربية السعودية وفي عالمنا العربي والإسلامي رأى هذا العصر ومتغيراته، ورأى بعقله ووجدانه ما يحيط به من أخطار على أعزّ ما يملك في قيمه ومثله العليا، بل في أمنه واستقراره ووحدته التي هي حقه الشرعي لضمان عزّته وكرامته في عالم القلق والتكتلات البشرية المعادية.. أهدي هذا الكتاب". وفيما يلي نورد نص رسالة الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني إلى الملك عبد العزيز (يرحمهما الله) في 8 جمادى الأولى 1339ه/1920م : بسم الله الرحمن الرحيم... من عبدالله بن قاسم آل ثاني إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم حميد الشيم سنيّ الهمم الهمّام المكرم المعظم أمير المؤمنين عبدالعزيز بن الإمام المبجّل عبدالرحمن الفيصل المحترم، حرسه الله تعالى وتولاّه ووفقه لما يحبه ويرضاه. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزيل برّه وهباته، والسؤال عن عزيز حالكم على الدوام، دمتم بحال العز والإقبال وبلوغ الآمال. وقد سبق إلى جلالتكم منا كتب أرجو أنها وصلتكم وأنتم بوافر السرور. ثم أدام الله وجودك لا بد أوصينا الوالد الشيخ محمد بن ناصر ببعض الكلام ليبلغكم إياه من الرأس. وتعرف سلّمك الله أني ما عاد لي عضد أو ذخر إلا الله ثم جلالتكم في جميع الحالات. هذا ما لزم. ومهما يبدُ من لازم نصبح ممنونين. ويبلغ سلامنا الوالد المبجّل وكافة المشايخ الأشبال الفخام والإخوة الكرام. ومنا الأولاد يسلمون عليكم ودم سالماً محروساً". وجاء تعليق الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله- على هذه الرسالة "الوثيقة" من الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني إلى أخيه الملك عبدالعزيز آل سعود: "ما أطيبك من جيل مضى وذهب إلى ربه! نقي النفس والضمير! يا ليتنا نعرف جواب الملك عبدالعزيز لهذا الرجل الفاضل عبدالله بن قاسم آل ثاني، رجل العلم ومحبة العلماء. لو رأيناه سنرى الملك عبدالعزيز الذي تلقّى عن أبيه أكرم تربية يقول من معدنه الكريم لهذا الرجل ما لا نتصوره أو نخرص له من حب وتقدير. لكن ونحن في عصر المتغيرات، لا شيء نقوله غير اللهم رحماك بهذه الأسر الكريمة التي تعايش هذا العصر اليوم، بما تسمى دول الخليج والنفط، كما ينعتونها. ربنا نسألك الرحمة بهم ونور البصيرة وعلو المفاهيم في تداخلات العصر وسياسته". ويضيف عبدالعزيز التويجري: "لا أدري لو قالت لي محطة (الجزيرة) في قطر: احكِ لنا عن الملك عبدالعزيز، ماذا أقول لها غير: خذوا الجواب من شيخ قطر الكبير. فهو ضمير قطر وفكر قطر وإنسان قطر وتاريخها -رحمه الله- فربما كان أعرف الناس بالملك عبدالعزيز وبفضائله التي لا يعرفها أحد أكثر منه. فرسالته الكريمة هذه صادرة عن نفسٍ ما علقت بها أصداء العصر ولا روائحهُ المؤذية، غفر الله له". رحم الله الشيخ عبدالعزيز التويجري "موثق التاريخ" ربما كان يحسن الظن في قناة الجزيرة، لم يكن يعلم أن قناة الجزيرة التي تدار بأيدٍ غير قطرية، تستخدمها السلطة القطرية أداة لتأجيج الصراعات في المنطقة العربية وبث الفتنة والاقتتال الداخلي بين الشعوب العربية وإثارة الخلافات الطائفية. وأن القيادة القطرية تتآمر على الأشقاء في مجلس التعاون وتتدخل في شؤونهم الداخلية لإثارة الفتن والقلاقل، وهجرت الحضن الخليجي وارتمت في أحضان الإخوان والإيرانيين. رحل موثق التاريخ ولكن سجلات التاريخ مازالت مفتوحة لتدوين الأحداث والمواقف. يقول الدكتور غازي القصيبي عن الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري (يرحمهما الله): "إن الذي يحفظ شعر المتنبي يستطيع قول كل ما يريد قوله على لسان المتنبي وتصل الرسالة إلى أصحابها، واللوم على المتنبي". ويقول: "حدثني من أثق به، قال: كان أبو عبدالمحسن في بلد لا يستحب ذكر اسمه أمام زعيم أفضى إلى ما قدم، ودار الحديث عن الأسلحة وضرورة الحصول على المزيد منها، وأبو عبدالمحسن يستمع ويتململ، ثم أنشد فجأة: وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام وابتسم الحاضرون. وابتسم معهم الزعيم! الذي لم يفهم المقصود". رسالة الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني إلى الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني -رحمه الله- عبدالعزيز التويجري -رحمه الله-