تميزت مجتمعاتنا العربية بتمسكها بالشعائر الدينية والترابط الأسري القوي الذي نشأ معه زواج الأقارب ونتج عنه كثرة الأمراض الوراثية وخاصة التي تنتقل بالوراثة المتنحية كأمراض فقر الدم الوراثية والأمراض الاستقلابية والمشاكل الخلقية بأنواعها. من هنا بدأ الاهتمام بالاستشارات الوراثية والتي تعتبر الخطوة الأولى في تجاوز أمواج بحر الأمراض الوراثية التي قد تكون عاتية. والاستشارة الوراثية هي قيام الأهل بطلب الاستنارة من الطبيب حول مرض وراثي ما، فيقوم الطبيب بعد التأكد من تشخيص المرض بدراسة ممحصة للمرض في شجرة العائلة ويناقش الأمر مع الأهل بشكل مفصل للوصول لأفضل الحلول، إن هذه الاستشارة قد تنفع بإذن الله في تشخيص المرض قبل الولادة. أيضاً قد تسمح بتحديد مدى الخطر على الطفل أو إخوته في المستقبل كما تعتبر دراسة تطمينية من دون وجود مرض. لقد أصبح الإرشاد الوراثي هو المنظور للصحة العامة واستخدم للإصلاح الاجتماعي فتعطش العامة من الأسر وكذلك المحللين النفسيين، والأطباء لاستخدامه في تحسين النسل البشري بإذن الله تعالى. إن الاستشارة الوراثية ليست عيباً "كما أنها ليست فضولاً وعبثاً".. إنها واجب عندما تكون لضرورة ما، فقد يكمن فيها سبيل الوقاية، وقد تنير طريق العلاج بإذن الله. إن بعض الناس يترددون في طلب الإرشاد الوراثي، خشية أن يقال لهم لا تنجبوا أطفالاً "بسبب تاريخكم العائلي السيء" والبعض الآخر يرفضون الاستشارة مع معرفتهم بوجود إصابات في العائلة.. فلمَ التجاهل والتغاضي؟ إن كان المرض موجوداً -لا سمح الله- فقد يتمكن الأطباء من علاج طفل بريء وإنقاذه. وان لم يكن هذا المرض موجوداً" فإنه لن يولد بسبب استشارة أو تحليل.. من هم المرشدون الوراثيون؟ هم صحيون يحملون تخصص وخبرة في مجال الوراثة الطبية والإرشاد والتحق أغلبهم بهذا المجال من حقول مختلفة شملت علم الأحياء، والوراثة، والصحة العامة. وطب الأطفال والأعصاب وغيرها من المجالات المختلفة. يجتهد هولاء المرشدون الوراثيون دوماً لفهم الأسرة بشكل مقنن وكامل وإعطائهم الشعور والإحساس بالتفاؤل كما يقدمون المعلومات والدعم للعائلات التي لديها أفراد مصابون بتشوه ولادي أو مرض وراثي وكذلك للعائلات المعرضة لخطر الإصابة بالأمراض الوراثية المختلفة بداية من تفسير المعلومات الخاصة بالمرض ونهاية بتحليل الأنماط الوراثية ودرجة تكرار خطورتها. بموضوعية أقول: إن الحد من حالات الزواج التي تحمل الخطر سواء بين الأقارب أو غيرهم، هي الحجر الأساسي والزواية في هذا المضمار فالإقلال منها سيؤدي لإبعاد شبح هذه الأمراض أو على الأقل الحد من نسبة حدوثها على المدى البعيد إن شاء الله وكذلك وسائل التشخيص المبكر الحديثة تساعد في كشف الأمراض في مرحلة مبكرة بالتالي تقديم العلاج في الوقت المناسب لمنع تفاقم المرض وتوقي مصائبه. أخيرا".. تعتبر الوقاية من الأمراض الوراثية بمثابة العراك والهم المشترك الذي يجب أن يتقاسمه، الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة.. فكثير من البلدان جعلت من الأمراض الوراثية قضية وطنية.