قرارات الملك سلمان منذ توليه مقاليد الحكم تؤسس لسعودية جديدة، ومملكة متجددة، وقيادة مختلفة عن عهود سابقة، حيث تسابق الزمن في قرارات وأوامر متتابعة لمواكبة المتغيرات والتطورات، والانسجام مع واقع التحديات على أكثر من صعيد، وتلبية احتياجات التغيير نحو مستقبل أفضل، ورؤية طموحة في بناء الإنسان والوطن. القرار التاريخي بإنشاء رئاسة أمن الدولة -وقبله النيابة العامة- هو انفراد في التعاطي مع الواقع الجديد للسعودية، ومشروعها النهضوي، ومبادرة محسوبة واستباقية لتأمين الجبهة الداخلية من أي محاولات اختراق، أو تهديد، فضلاً عن تنظيم مهام العمل ومسؤولياته، وسلامة إجراءاته، وسرعة اتخاذ قراره. وزارة الداخلية على مدى عقود من الزمن تضخمت إدارياً، وأصبحت مثقلة بمسؤوليات عمل كبيرة جداً، ومع النجاح الذي تحقق في ملفات أمنية كثيرة على رأسها مكافحة الإرهاب؛ باتت الحاجة إلى تفكيك القطاع لمواجهة تحديات أكبر في المستقبل، وتوجيه عمل الوزارة نحو الأمن الداخلي (الأمن العام، الجوازات، حرس الحدود، الدفاع المدني، المخدرات، السجون، المجاهدون، الأحوال المدنية، كلية الملك فهد الأمنية، الأمن الصناعي،....)، حيث تمثّل تلك القطاعات لوحدها مسؤولية وزارة بحجم الداخلية، وتركيز جهودها على حفظ الأمن الداخلي، ومكافحة الجريمة، وتطوير منظومة عملها الأمني بما ينسجم مع أولويات المرحلة، وتفاصيلها الدقيقة والحسّاسة في حماية الإنسان والمقدرات من العبث، والتطاول على النظام. أما رئاسة أمن الدولة كجهاز أمني فاعل –مثل ما هو عليه الحال في كثير من الدول- يرتكز على جانبين، هما: حماية الكيان، وحماية النظام، وكلاهما مصدر الوجود والمصير، وبالتالي وجوده ضرورة في ظروف أمنية بالغة الحساسية والتعقيد، والتصدي لمهددات متعددة من مصادر معادية تريد النيل من وحدة المجتمع وتماسكه، وزعزعة أمنه واستقراره. وعلى هذا الأساس كان قرار الفصل خطوة كبيرة نحو مهمة التحصين الداخلي من أي محاولات اختراق فكري، أو طائفي، أو إرهابي، أو تقني، أو فساد مالي، أو إداري، أو تجاوز على خطوط الكيان الحمراء، أو توجهات وتوجيهات النظام فيما يراه من مصلحة وطنية عامة. نواة رئاسة أمن الدولة شكّلها الأمر الملكي الكريم (المباحث العامة، قوات الأمن الخاصة، قوات الطوارئ، طيران الأمن، مركز المعلومات الوطني، الشؤون الأمنية، والفنية، وكل ما له علاقة بالإرهاب)، ويبقى تحديد إستراتيجية العمل بصلاحيات واسعة، ومهام محددة، وتنسيق دائم مع وزارة الداخلية، والاستخبارات، وغيرها؛ لتعميق مفهوم أمن الدولة كممارسة حماية وتحصين للمجتمع وليس لشيء آخر، والتأكيد على أن الثوابت الوطنية لا تقبل المساس والتطاول من كائنٍ من كان.