النفس البشرية أمرها عجيب وهي من أسرار المولى تبارك وتعالى في عباده، وإذا شابها شأن من شؤون الدنيا وكان لها بالضد لاسيما ما يتعلق بعدم الالتزام بكلام خالقها العزيز الجبار، فإن ظلم الإنسان لنفسه يبدد الحسنات ويهدر الطاقات، وهذا بلا ريب لا يليق بسلوك المؤمن الصادق بل انه يصيب سلامة القلب في مقتل. وهكذا تضيع اثمن الفرص حينما يخالف المولى تبارك وتعالى ويأتيه بقلب غير سليم. ولك ان تتخيل حجم هذا الحمل الثقيل على النفس في حين ان المشاعر المضادة للفطرة السليمة تتيح المجال ليبسط القلق أشرعته الكئيبة وتمكين التوتر من التحكم في تفاصيل حياة الفرد وتكبيله روحيا ومعنويا، وبالتالي تضعف الثقة بالنفس كنتيجة حتمية لضعفها بالمولى جل شأنه. كم نحن بحاجة ماسة للمصالحة مع الذّات لتغذي النفس شرايين القلب بالمحبة والرفق واللين والتسامح وضخ المزيد من المعاني القيمة الجميلة لاسترداد الثقة التي اُخذت على حين غرة، كم هي غنية هذه النفس وكم حباها المولى عز وجل من مزايا وقدرة فائقة في احتواء هذا المزيج مقرونة بالنوايا، صفات متضادة من حيث القياس والتأثير ولكل ميزة قراءة وتفسير ولم يكن من يمثلها من يد وقدم ولسان وشفتين إلا رهناً للتعبير. فيها الجمال والقبح فيها القسوة واللين، فيها الحب والكراهية ويقف بين ركام هذه المتناقضات الضمير اليقظ الذي يبحث عن موقعه الذي يستحقه، في حين أن سلامة الطريق تكمن في الثقة بالمولى العزيز القدير ثم حسن التدبير بسلامة التقدير. الطريق متاح للعبور نحو غلظة وسماحة نحو تصويب وانتكاسة نحو ظلم او عدالة نحو ليل حالك أو نهار ساطع. لكل شيء مسبباته وطبيعة الإحساس بالشيء تحكمه الدوافع، الحزن والفرح كل له مسبباته ظروفه ومعطياته وتقييم التأثير لمفهوم الكسب والخسارة، يحدده الاستيعاب المتقن وحسن اختيار العبارة، فالكل يسعى للكسب وتجنب الخسارة، وسلطة القرار في قبضة النفس الأمارة. عندما يتقابل اثنان من أي جنس ولون وفي أي أقطار الكون، يتلقى العقل الإشارة بواسطة العين، وبلمح البصر تتشكل الرؤية معززة بالانطباع من النفس مصدر الإبداع، اذ تفيض السماحة نبلاً ويصنع الاحترام فكرا ليعكس التسامح محتوى الثقافة، فلكل أمة تاريخ ومآثر ولكل جيل تشكيل، وأثر الموروث على أنماط السلوك يجسد رقي الأمم التي تعتز بقيمها في طرح اصيل. الخير والشر صفتان والميل لأحد الأطراف يترجمه نوعية الاستقاء وما يفيض به الوعاء من نقاء وصفاء او قسوة وجفاء وفقاً لكل نفس وما اكتسبت، فدرء الشر بالخير أجدى والاقتداء بالفطرة السليمة أحرى، وراحة النفس مرهونة بصحوة الضمير حينما يفيض صفاء النبع بالرضا ونقاء السريرة في اطمئنان وسكينة. فهل بعد هذه القيمة القيمة من يستهين بالنفس؟ نسأل المولى عز وجل ان نأتيه بقلوب سليمة وان ترجع أنفسنا الى خالقها راضية مرضية انه سميع مجيب.