أكدت الإساءات الأخيرة للأذرع الإعلامية العميلة لدولة قطر تجاه المملكة عموماً والقائد والرمز سلمان بن عبدالعزيز بشكل خاص، حجم التخبط والتهوّر السياسي الذي تعتمده الإدارة القطرية الحالية في التعامل مع أزماتها التي سببتها لنفسها جرّاء عدم قدرتها على قراءة الواقع بشكل صحيح، وإدراك قيمة نفوذها الإقليمي والدولي. ولا أبالغ إذا قلت إن صبر المملكة قيادة وحكومة وشعباً، على تاريخ الإساءات القطرية، قد فاق كل الاحتمالات، رغم تأكدنا هنا من أن هذه الإساءات ليست وليدة اليوم، وأنها مرتبطة بأجندات إقليمية فاشلة، وترتكز على تخيلات وتصورات غير حقيقية، تتعلق بنفوذ قطر أولاً، وتتعلق بتورط القيادة القطرية في مخالفة كل الأعراف الخليجية التقليدية التي تربينا عليها أو السياسات المعتمدة خليجياً ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة لمسؤولية صانع القرار القطري وهو بالمناسبة مأجور وممول عن دعم كل عناصر التوتر في الشرق الأوسط واحتضان كل الخارجين على أوطانهم وحكوماتهم، ومتورطين بشكل أو بآخر في أعمال العنف والإرهاب. المثير للاستغراب، أنه في ظل هذه الأزمة، نكتشف نفس الطريقة الإخوانية في لملمة وجمع كل المتباكين على الوحدة الخليجية، وبروزهم كأصوات متعاطفة مع قطر، وليس مع وطنهم، عديدٌ من أصوات النخبة السياسية للأسف، ظهروا وكأنهم طابور خامس ينعق على مواقع التواصل الاجتماعي، مرتدين ثوب الدفاع عن قطر، رغم إساءات الأخيرة لوطنهم ولرمزهم، وما بدا موثقاً بالصوت والصورة منذ سنوات ضدنا، وهم نفس الأشخاص منعدمي الولاء الذين هبُّوا للدفاع عن دول أخرى، معتبرين أنظمتها نموذجاً للإسلام وأسبغوا على قيادييها مراتب الإيمان والتقوى، دون أن يدركوا أنهم يكرّرون خطيئة كل فاقدي الوطنية وكل معدومي الانتماء لأوطانهم. ربما يكون من محاسن الأزمة الأخيرة، أنها كشفت القناع الحقيقي للعديد من الشخصيات التي خدعنا فيها، وبدلاً من أن يقفوا مع وطنهم تجاه ما يتعرض له من مؤامرات قطريةوإيرانية، نجدهم يبحثون عن الأعذار، ويختلقون المبررات للآخرين الذين صدمنا فيهم وفُجعنا في مواقفهم الخادعة. لم يدرك هؤلاء ومعهم قطر أن المملكة هي رمانة الميزان في الشرق الأوسط، وعاصمة الثقل العالمي المؤثر، وأن قمم الرياض الثلاث الأخيرة، قد دشنت من المملكة اللاعب الرئيس في سياسات الشرق الأوسط، وهذا ما لم تستوعبه القيادة القطرية التي فقدت رشدها، وكشفت تصرفاتها وممارساتها عن المسكوت عنه كثيراً في التعامل الخليجي معها، وأصبحت بعد تأكدها من تراجعها لحجمها الطبيعي تتصرف كالثور الهائج، ولم تجد سوى الارتماء في حضن الخصم السياسي والمهدد الأساسي لنا كلنا كخليجيين، وهو إيران. إذا كان البعض يتصرف بهذه الطريقة المؤسفة، فهذا يزيد من تأكدنا من أننا على صواب في كل خطواتنا، ويؤكد أن مخاوفنا بشأن خطورة هذه التدخلات واستقطاباتها التي تظهر البعض وكأنهم أعضاء في تنظيم دولي وليسوا مواطنين، تتطلب التصدي بعنف لهؤلاء وأفكارهم، مع الأمل في أن يعودوا لصوابهم قولاً وفعلاً وليس تقيّة كما تعمد هذه الدول وهذه التنظيمات.