هل قال لك طبيبك يوماً ما، أن هناك نوعاً أو أنواعاً من الأكل يجب عليك التقليل منها، إن لم يكن الابتعاد عنها وربما نهائياً؟ هل صدقت كلامه أو سألت نفسك إن كان ما قاله لك طبيبك صحيح؟ هل اتبعت إرشاداته ووجدت الفرق بتحسن صحتك أم أنك مثل غالبية الناس تقتنع بكلام طبيبك في لحظت حديثه معك وتنسى بل وتتناسى ما قال لحظة خروجك من عنده؟!! إنني اليوم أمثل دور هذا الطبيب المسكين الذي يمر عليه عشرات المرضى شهرياً بشكوى ألمٍ في البطن وعسر هضم ووجود حموضة في الحلق، تكثر بعد اليوم الأول من دخول شهر رمضان المبارك ولا تنتهي إلا في الأسبوع الثالث من شهر شوال. يزداد إفراز الحمض المعدي وحمض الببسين في رمضان زيادةً ملوظة مما يؤدي إلى زيادة الحموضة المعدية بنسبة كبيرة قد تصل إلى 159٪. وقد يكون لهذه الزيادة دورٌ في زيادة عسر الهضم في رمضان؛ ففي المغرب أُجريَت دراسة (هاكو 1994) على 13 صائماً، فلوحظ أنَّ إفراز الحمض المعدي زاد بمعدل 159٪، كما زاد إفراز حمض الببسين بمعدل 133٪، لكن لم يحدث ارتجاعٌ معدي. من أكثر حالات الجهاز الهضمي انتشاراً في رمضان هو عسر الهضم والقولون العصبي، لا يوجد بين يدي دراسات علمية تساعد على إعطاء توجيهات موثقة، ولكن من خلال المشاهد اليومية لمرضى ومن خلال خبرة الكثير من الأطباء العملية، أجد أن الأعراض تتفاوت كثيراً في رمضان وفي مختلف المرضى، فالبعض لا يتأثر بالصيام، وبعضهم تزداد حالته سوءاً، وبعضُهم قد يتحسن، والغالبيةُ العظمى من هؤلاء المرضى يمكنهم الصيام إذا تناولوا علاجهم بانتظام، والتزموا بحميةِ عسر الهضم وحمية القولون العصبي، حيث يفضل تقليل الدهون، وتناول وجبات صغيرة متفرقة، وتجنب التخمة والأطعمة المهيجة والمثيرة والمسببة للغازات. لا نعلم بالتأكيد وخصوصاً بعد ظهور الجيل الثالث من أدوية قرحة المعدة، إذا ما كان رمضان وصيامه يزيد من حدوث قرحة المعدة أو يزيد من أعراضها، زادت حالاتُ القرحة الهضمية في دراسة تركية (دونديريسي 1994)، بينما لم يجد الباحثون في قطر (الكعبي 2004) أية زيادة في رمضان، كما أُجريت دراسة في تونس (مهدي 1997) على 57 مريضاً مصابين بقرحة الاثناعشري، وجرمت معالجتهم بدواء اللانسوبرازول، بعضهم صام وبعضُهم لم يصم، فلم يؤثّر الصيام إطلاقاً في المجموعة الصائمة ولا في القرحة. مما لا شك فيه أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (المتفق عليه) في تعجيل الإفطار أتى لنا بآثار صحية ونفسية مهمة؛ فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوضه عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم، مما يؤدي إلى شعور بالهبوط والإعياء العام وفي ذلك تعذيب نفسي لا طائل منه، ولا ترضاه الشريعة السمحاء، فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع، يدفع عنه الجوع، مثلما هو بحاجة إلى الماء، والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين وهما دفع الجوع والعطش. عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطيبات، فإن لم تكن رطيبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء "رواه الترمذي وأبو داود. تستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة، كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك، ويعطي الإنسان شعوراً بالامتلاء فلا يكثر الصائم من تناول مختلف أنواع الطعام. اختر أخي القارىء لنفسك غذاء صحياً متكاملاً، فلابد من الحرص على أن يكون الغذاء متنوعاً وشاملاً لكافة العناصر الغذائية، كأن تتوفر السلطة في طعام إفطارك بمقدار وافر، فهي غنية بالألياف تعطي الصائم إحساساً بالامتلاء والشبع، مما يساعده على أكل كمية أقل من باقي الطعام. وإذا كنت ممن يصابون بالإمساك، فأكثر من تناول الأغذية الغنية بالألياف الموجودة في السلطات والبقول والفواكه والخضار، وحاول أن تكثر من الفواكه بدلاً من الحلويات الرمضانية، واحرص على صلاة التراويح وأداء النشاط الحركي المعتاد، مما أنصحك به أخي الصائم غداً أن تتجنب التوابل البهارات والمخللات قدر الإمكان. كما يستحسن تجنب المقالي والمسبكات، فقد تسبب عسر الهضم وتلبك الأمعاء، ووما أنصحك به أخي الصائم هو تجنب النوم بعد الإفطار. فالنوم بعد تناول وجبة طعام كبيرة ودسمة قد يزيد من خمول الإنسان وكسله. ولا بأس من الاسترخاء قليلاً بعد تناول الطعام، من الضرورة الاعتدال في تناول طعامك ، مما يمكنك من أداء صلاة العشاء والتراويح في الجماعة، الأمر الذي يساعدك على هضم الطعام، ويعيد لك نشاطك وحيويتك، حاول أن لا تكثر من وجبات التصبيرة بين صلاتي التراويح ووقت تناول طعام السحور. يفيد تناول السحور في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد؛ فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تأخير السحور، ويفضل أن يحتوي السحور على أغذية سهلة الهضم كاللبن الزبادي والعسل والفواكه وغيرها، حاول أن تتجنب الأغذية شديدة الملوحة، وتجنب التوابل والبهارات وخاصة عند السحور لأنها تزيد الإحساس بالعطش، ويستحسن تجنب استعمال الأغذية المحفوظة، أو الوجبات السريعة التحضير، اشرب كمية كافية من الماء ولا تبالغ فيه. قد يعاني البعض من آلالمٍ في البطن وعسر هضم