قرار منع الاستقدام لفرض التوطين أكثر من رائع، وبدأت إرهاصاته الأولى مع أطباء الأسنان، ونأمل أن يلحقها التعليم الأهلي، والهندسة، والصيدلة، فضلاً عن قائمة المهن التي أعلنت عنها وزارة العمل في وقت سابق، وهذا الحل -منع الاستقدام- يقطع الطريق على نسب التوطين التي تحايل عليها البعض، أو نحسن النوايا لم يلتزموا بها، والنتيجة لا توطين مثالياً، ولا فرصاً حقيقية أمام أبناء البلد. منذ توحيد المملكة ورأس المال البشري هو أغلى ما تملك؛ ليس في العدد، أو الانتشار، أو الإنتاج، ولكن مع ذلك في الفرص التي تصنعها الأجيال، وما تحمله من قيم المواطنة في رد الجميل، وميثاق العهد والولاء في حب هذا الوطن وقيادته، مهما كانت التحديات. وفي موسم حصاد الخريجين والخريجات من الجامعات والكليات والمعاهد يزداد هاجس البحث عن الوظيفة، ويأخذ مؤشر البطالة زيادة مطردة طبيعية؛ فكلما زاد الخريجون زادت البطالة، وتبقى التفاصيل محصورة في التخصص، والواسطة أحياناً للظفر بما هو متاح في القطاعين الحكومي والخاص من وظائف، وما يمكن تحقيقه في العمل الحر من فرص، وهو إما يقلل سنوات الانتظار للوظيفة الرسمية، أو الاستمرار في المهنة التي تبدأ صغيرة ثم تكبر في مشروع طموح.. والشواهد كثيرة. مسيرة الخريجين والخريجات بعشرات الآلاف سنوياً يصعب استيعابها في وظائف حكومية أو خاصة؛ وإذا تقرر مسبقاً أن الحكومة لن تُحدث وظائف، بل تزهّد العمل لديها، وإذا كان القطاع الخاص يعاني في هذا التوقيت، بل ينهي تعاقداته مع بعض المواطنين، وهو أمر صعب لكنه حل؛ فكيف يعوّل عليه لاستيعاب هؤلاء الخريجين أو بعضهم! إذاً؛ الموضوع أكبر من وظيفة ذات مسمى ومزايا وصلاحيات وراتب آخر الشهر، إلى وظيفة تصنعها الفرص، ويباركها الرزق، ويشد منها الصبر والعزم ما يجعلها أقوى مع الزمن، ولكن وظيفة الفرص تحتاج إلى قرار حكومي يدعمها ويؤمن عليها كما حصل في قرار منع الاستقدام، وتحتاج أيضاً إلى استعداد مبكر من طالب الجامعة ليمارس وظيفة المستقبل وهو على مقاعد الدراسة، وليس البحث عنها بعد التخرج، والسبيل لذلك ليس مستحيلاً في عمليات التطوع المبكرة، وكسب الخبرة والتجربة على رأس العمل المجاني أو الرمزي، وكل ذلك هدف للحصول على شهادات عمل إلى جانب شهادة التخرج. مشكلة كثير من الخريجين أن سيرته الذاتية لا تتجاوز شهادته الجامعية، وبالتالي يحتاج إلى وقت للخبرة والتجربة التي كان من المفترض تجاوزها أثناء الدراسة، وربما تفوت عليه وظيفة الفرصة التي لا تعوض، ويتنازل إلى فرصة الوظيفة المتاحة بحثاً عن لقمة العيش لا أكثر.