كانت الاختبارات قديماً ولا تزال عند البعض شبحاً مخيفاً وضيفاً ثقيلاً غير مرحب به، فحلولها يعني بذل كل الجهد من أجل تجاوزها بنجاح إن لم يكن بتفوق أو إكمال أو رسوب، وقد عانى جيل الأمس كثيراً فقد عاش أيامها على مضض وذلك لبساطة العيش وجدية الحياة التي كانت تتطلب بذل كل ما في الوسع من أجل إدراك النجاح الذي كان مطلب الجميع من الطلاب وأولياء أمورهم الذين على الرغم من انشغالهم في أعمالهم اليومية إلا أنهم كانوا يقدّرون العلم وأهله ويعرفون أهمية التعليم فكانوا شديدي الحرص على ألا يتخلف أبناؤهم عن قطار العلم وكانوا يبذلون ما في وسعهم لتوفير متطلبات التعليم البسيطة في ذلك الزمان، فحياة الترفيه لم تكن موجودة فجل الوقت يقضيه الطلاب في المذاكرة الجديّة، كما لم تكن البيوت مهيأة كما هو عليه الحال الآن فالكهرباء معدومة ولم يكن هناك غرف للمذاكرة أو مكتب خاص في البيت يحتفظ فيه الطالب بالكتب والمستلزمات الدراسية، وإضافة إلى ذلك كله فان الطلاب لم يكونوا يعرفون معنى الدروس الخصوصية أو المدرس الخصوصي فجل ما يساعد من كان لديه تقصير في المادة الدراسية هو الانخراط في دروس التقوية التي تقيمها المدرسة مساءً ويقوم بإعطاء الدروس معلم المادة نفسه، وبرسوم رمزية يستطيع الكل دفعها بسهولة، وفي يوم الاختبار يدخل الطالب على لجنة تتصف بالصرامة حيث يتم تفتيش الطلاب للتأكد من عدم حملهم ل(براشيم) الغش ولكل طالب رقم جلوس يحتفظ به للدخول إلى اللجنة، وبعد توزيع الأسئلة تجد الصمت والهدوء يسود على قاعة الاختبار ولا يبدد ذلك الصمت إلا أصوات أقدام المراقبين التي تجوب الصالة غدوة وروحة، أو صوت (سطل) الماء البارد الذي تجلجل وسطه (غضارة) غرف الماء للطالب الذي يطلب الماء بعد أن جف حلقه من هول وقع الأسئلة التي يحتار بأيها يبدأ الإجابة، وبعد نهاية الاختبارات تأتي مرحلة الخوف والترقب عند خروج النتيجة ليفرح من كان ناجحا وتزداد غصة من أكمل حيث سيقضي الإجازة كلها في مراجعة المادة أو المواد التي أكمل فيها ليتقدم لاختبارات الدور الثاني لعله يجتاز ليلحق بركب زملائه في الصف الذي يليه أو المرحلة التي تلي مرحلته أن يختبر في إتمام الشهادة الابتدائية أو المتوسطة، أما من كان راسباً فان المصيبة عليه أشد حيث سيبقى للإعادة في العام الذي يليه في نفس صفه ويلحق به الصغار في الصف الذي قبله وقبل ذلك كله لا يدري ماذا ينتظره من عقاب وتوبيخ من ولي أمره، وأما في وقتنا الحاضر فقد تبدلت الأنظمة وصارت الاختبارات أقل رهبة في نفوس الطلاب، ففي المرحلة الابتدائية ألغيت الاختبارات وبات التقويم المستمر محلها، وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية صارت الاختبارات تعد من قبل المدرسة بعد أن كانت تعد من الوزارة وبات التصحيح من قبل معلمي المادة والأسئلة نفسها تغيّرت وصارت أسهل فجلها موضوعية بعد أن كانت مقالية، كما بات هناك حفلات تخرج تعد من قبل المدارس لطلابها وذلك قبل بدء الاختبارات وكأن الجميع سيجتاز، فبعد أن كانت الاحتفالات خاصة بالمرحلة الجامعية صارت تعد لجميع المراحل وحتى للروضة، وبذلك فقدت حفلات التخرج طعمها، كما فقدت مكافأة النجاح طعمها في أيامنا هذه فكل ما يطلبه الطالب ويتمناه يجده يلبى له في الحال، ولعل من عاش في ذلك الزمن الجميل يشهد بأن طلابه كانوا أكثر جدية وأكثر إقبالًا على الدروس والمذاكرة من جيل اليوم وكذلك استعدادهم للاختبارات على الرغم من الظروف القاسية المحيطة بهم. الاستعدادات للاختبارات تعتبر المذاكرة المستمرة والمتابعة من قبل ولي الأمر والمراقبة كي لا يصرف وقته فيما يلهيه عن المذاكرة من أهم الاستعدادات للاختبارات قديماً، فقد كان طلاب الأمس يذاكرون على نور (السراج) قبل وصول الكهرباء إلى المنازل ومن ثم المذاكرة على (لمبات) الإضاءة ذات اللون الأصفر بعد تمديد الكهرباء وربما اضطر البعض إلى الاستعانة بإنارة الشوارع أو المساجد من أجل المذاكرة تحتها وقد كانت المذاكرة الجماعية سمة بارزة بين الطلاب قديماً حيث يجتمعون في مكان خال كمنزل أحدهم أو في أحد المزارع القريبة أو في (الشعبة) التي تمد المزارع بمياه السيول حيث تكون أرضيتها من الرمل الناعم تريح من يجلس عليها، وكان رواد المذاكرة الجماعية يستفيدون من ذلك حيث يتبادلون المعلومات المهمة بينهم ويحفظون بعض المقررات ليقوم كل واحد بعملية (تسميع) للمعلومات لزميله من أجل التأكد من حفظها، ومن كان من الطلبة الضعفاء فانه يستعين بمدرس المادة عن طريق الانخراط في مجاميع التقوية التي تقيمها المدرسة قبل شهر تقريباً من موعد الاختبارات، كما كان من استعدادات جيل الأمس للاختبارات المذاكرة المستمرة وأداء الواجبات المكثفة التي تعطى لهم من المعلمين الذين كانوا يتصفون بالغلظة والصرامة في تعاملهم على الرغم من أنهم كانوا متمكنين من مادتهم العلمية وان كانت عملية التلقين هي السائدة في ذلك الوقت إلا أنها لاقت نجاحاً في تلك الحقبة الزمنية من التدريس حيث يمتاز طلاب جيل الأمس بحفظهم للمعلومات ورسوخها في أذهانهم ويحرصون على القراءة والاطلاع، وكذلك مهارتهم في الكتابة دون الوقوع في الأخطاء الإملائية التي تكثر بين طلاب اليوم، إضافة إلى مهارتهم في الخط وجماله، فتراهم يجيدون كتابة الخطابات و (المعاريض)، ويتقنون فن الحوار والنقاش، وكان للمعلمين هيبة عظيمة في نفوسهم، ولأجل ذلك تعلموا منهم واستفادوا من توجيهاتهم. ترقب ورهبة! عند قرب الاختبارات قديماً فإن البيت كله تعلن فيه حال الطوارئ بدءا من الأب والأم وانتهاء بالأخ الأكبر والأخت الكبرى في متابعة الطلاب الذين يبذلون الجهد في متابعة الطلاب من أجل استذكار دروسهم، فقد كانت أيام الاختبارات قبل أربعة عقود من الزمان من أجمل الأيام الدراسية وأحلاها وأسعدها بالرغم مما فيها من سهر وتوتر ومعاناة وترقب، فقد كان يمنح للطلاب قبلها إجازة لمذاكرة الدروس، وكان أغلب الطلاب يحرصون فيها على الحفظ مع الفهم، والمراجعة مع الاستيعاب، بالرغم من مشاركة أهاليهم في توفير المتطلبات الزراعية والحيوانية التي يمارسون نشاطها، وقبل الاختبارات تقوم جميع المدارس بتنظيم حفلات مسرحية، ومعارض فنية، يتولى إعدادها وإخراجها الطلاب، ويحضرها أولياء الأمور، في يوم مشهود بهيج، لا تمحو تفاصيله من الذاكرة الأيام، وكان جميع الطلاب في جميع أنحاء البلاد يخضعون لاختبارات موحدة للمراحل النهائية، ولهم جدول موحد وأسئلة موحدة ويعلن في إذاعة البلاد أسماء الناجحين في المراحل النهائية، وتقوم الصحف بنشر الأسماء بعد إذاعتها في المذياع، أما عن استعدادات اليوم الأول فهي تستلزم حمل (تكاية) وهي ورق مقوى يتكئ عليه من يخوض الاختبار وذلك بوضع الورقة عليه وكانت في البداية من ورق الكرتون الذي يقص على مقاس ورقة الاختبار التي كانت تسمى (فرخ) وهي أربع أوراق مسطرة متصلة ومثنية ومختومة بختم المدرسة حتى لا يتم تزويرها أو استبدالها بورقة أخرى، ومن ثم ظهرت (تكاية) مستوردة بها قبض في أعلاها لمسك الأوراق وبجانبها جراب لحفظ القلم، ويحمل الطالب مع (التكاية) قلم (رصاص) وقلم من نوع (باركر) يتم تعبئته بالحبر الأزرق من (دواة) الحبر وهو قلم مشهور بجمال ريشته، وبسلاسته في الكتابة، إضافة والمسطرة الخشبية وأدوات الهندسة، ومن ثم الدخول الى قاعة الاختبارات ليتسلم ورقة الأسئلة المكتوبة بخط اليد والمملوءة بالكامل بالأسئلة (المقالية) الطويلة، لذا تجد جل الطلاب يتسمرون على طاولاتهم ولا يخرجون إلا مع انتهاء الوقت المحدد، بعكس أسئلة اليوم التي صارت تكتب بالطريقة (الموضوعية) التي تتيح للطالب الحل عن طريق إكمال الفراغ أو اختيار الكلمة الصحيحة من بين الأقواس أو اختيار الإجابة بوضع علامة صح أو خطأ، مما يجعل الكثير من الطلاب ينتهي قبل منتصف الوقت ويربك اللجان ومراقبيها. إعلان النتائج كان تحلق العائلة حول جهاز الراديو استعداداً للاستماع إلى أسماء الناجحين والذي يذاع فيما مضى أمراً شائعاً ومألوفاً، إذ يبدأ المذيع في سرد أسماء الطلاب الناجحين في مدارس العاصمة الرياض مثلاً فيقول بيان بأسماء الناجحين في امتحان الكفاءة المتوسطة ويذكر اسم المدرسة وأسماء الناجحين ليتلوه أسماء الطلاب في بقية مدن وقرى المملكة عموماً، وأكثر من يرعي سمعه لجهاز الراديو من بين أفراد العائلة هو من أدى الاختبار في إتمام المرحلة المتوسطة والثانوية، وكم كانت تلك اللحظات ممزوجة بالخوف والفرح معاً حيث يكون خوفاً من الإخفاق والرسوب وفرحاً بإذاعة اسمه في الراديو على الملأ ناجحاً في مدرسته، وما هي إلا لحظات من الترقب فيأتي عليه الدور في إذاعة اسمه ضمن من يأتي ذكر اسمه ناجحاً فيقفز من الفرح وتنهال عليه التهاني من أفراد العائلة، ويتلقى من ولي أمره هدية النجاح التي كانت في الغالب من النقود المعدنية أو بعض الألعاب البدائية أو دراجة هوائية لمن كان أهله موسوري الحال وبعد فترة من الزمن صارت النتائج في نهاية المرحلتين المتوسطة والثانوية تعلن بواسطة نشرها في الصحف بدلاً من الراديو الذي أوقف إذاعة أسماء الناجحين، ومن ثم بعد ذلك صارت معرفة النتيجة عن مراجعة المدرسة التي يدرس فيها. حفلات تخرج لم يكن الطلاب قديماً يعرفون معنى حفلات التخرج، فقد كانوا يعدون مجرد استلامهم نتيجة الاختبار بنجاح هو أحلى حفلة تخرج، واول ماعرفت حفلات التخرج في المرحلة الجامعية حيث صار يعد في كل نهاية كل عام حفل يحضره الطلاب المتخرجون وأولياء أمورهم في احتفال رسمي يحضره مدير الجامعة وأحد المسؤولين في التعليم أو فيما سواه ويتم عمل مسيرة للطلبة المتخرجين وهم يلبسون (مشلح) التخرج ذو اللون الأسود مكتوباً عليه اسم الجامعة التي كانت تبيعه على الطلاب بسعر رمزي، ومن بعد ذلك صار طلاب الثانوية العامة يعملون حفل تخرج للطلاب، وفي أيامنا هذه بات حفل التخرج يتم في كل عام بشكل أوسع حيث صارت جميع المدارس وفي مختلف المراحل تقيمه فبعد ان كان مقتصراً على طلبة الصف الثالث الثانوي بات يقام لطلبة الثالث المتوسط وطلبة الصف السادس، بل تعدى الأمر إلى إقامته لطلبة الروضة الذين سينقلون للصف الأول الابتدائي، وصار حفل التخرج هذا يقام وسط احتفالية كبيرة ويتخلله مسيرات للخريجين ويتم التقاط الصور التذكارية وكأنهم يزفون الخريج إلى سوق العمل مع ما يصاحب هذه الحفلات من تكلف وإنفاق غير مبرر. اختبارات اليوم المتتبع لسير الاختبارات في أيامنا هذه يلاحظ مدى الفرق بينها وبين اختبارات جيل الأمس القريب من حيث ذهاب هيبتها حيث صار الطلاب يستقبلونها بأريحية بل وأحياناً بلا مبالاة ففيما مضى تجد البيوت قبل شهرين من الامتحانات النهائية قد استنفرت وشمّر التلاميذ عن سَواعدهم وتوقف اللعبُ واللهوُ وأما الآن تجدُهم يتابعون المباريات في ليالي الامتحانات ويشاهدون الأفلام التليفزيونية، ويقضون جل وقتهم في متابعة الأجهزة الالكترونية كأجهزة (الآيباد) و(البلاي ستيشن) ومختلف أجهزة التواصل الاجتماعي وكأنه ليس لديهم اختبارات بينما كان أولياء أمور الطلاب قديماً يحرمون أبنائهم وقت الاختبارات من مشاهدة التلفاز او اللعب بأجهزة (الأتاري) أو حتى الخروج من المنزل للعب أو للزيارات البته، كما أن المدارس قللت من هيبة الاختبارات وذلك بإقامة حفل تخرج لطلبة نهاية المراحل الدراسية الثلاث قبل الاختبارات بأسبوع أو أسبوعين وكأنها قد ضمنت النجاح مقدماً لكل الطلاب، كما أن استلام النتيجة بات أمره ميسراً، فبعد أن كانت النتائج ترصد يدوياً والشهادات تكتب بخط اليد ويتأخر نشر النتيجة بأيام وذلك لطلبة الصفوف من الأول الابتدائي إلى الصف الثاني ثانوي، أما طلبة إكمال المرحلة الثانوية فقد كان الجميع يترقب نشر النتيجة في الصحف مما يجعل الكثيرين يتمركزون عند مقار الصحف منذ الفجر ليحظوا بعدد الجريدة الذي تنشر فيه الأسماء من مركزها الرئيسي سواءً في الرياض أو جدة والدمام ويكونوا أول من يعرف النتيجة ويقوموا بالاتصال هاتفياً على معارفهم ممن نجحوا في الاختبار ليزفوا لهم البشرى قبل وصول الجريدة إلى مدنهم أو قراهم، وأما اليوم فقد صار بإمكان الطالب أو ولي أمره الدخول إلى موقع المدرسة عبر برنامج (نور) ومعرفة النتيجة بعد نهاية الاختبارات بمدة قصيرة ودون العناء الى المدرسة لاستلام النتيجة. المذاكرة الجماعية سمة تميز طلاب الأمس اختبارات اليوم باتت أقل رهبة في نفوس الطلاب أدوات دخول قاعة الاختبار لدى جيل الأمس أسئلة اختبار إتمام المرحلة الإبتدائية كانت موحدة لجميع المدارس منذ 45 عاماً قاعات الاختبار قديماً تدل على البساطة وتواضع الإمكانات نموذج أسئلة اختبار قبل 45 عاماً مكتوب بخط اليد حمود الضويحي