في الفترة التي عصفت فيها الثورات العربية بخارطة الدول، وزادت مطالبات الشعوب بالرفاهية وفرص تعليمية ووظيفية وخدمات أفضل، في الفترة ذاتها دخلت فيها المملكة مرحلة سياسة خارجية شائكة في ظل الحروب بالدول المجاورة والاضطرابات الأمنية وتغييرات في السياسة الخارجية للدولة، علاوة على تدني أسعار النفط الخام إلى دون 40 دولارا للبرميل وهو يعتبر العمود الفقري لاقتصاد الدولة. ومع كل هذه الظروف الصعبة والمتداخلة، استطاعت حكومة المملكة إطلاق حملة "رؤية 2030"، ومن ضمنها وأساساً لها "برنامج التحول الوطني 2020"، لن نتناول في هذه القراءة سلبياتها وإيجابياتها، بقدر ما سنتناولها من منظور التواصل والعلاقات العامة وتأثير لغتها على الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع، وتحليل للقنوات التي استخدمتها حكومة المملكة لإطلاق وتفعيل هذه الرؤية ودراسة للأبعاد الاجتماعية للغة العلاقات العامة والتواصل المستخدمة في الحملة، حيث جاءت الحملة في الوقت المناسب تماماً مستخدمة لغة العصر في التواصل والشفافية. "القائد الشاب".. متحدث رسمي ووجه سياسي في يوم الاثنين 25 ابريل 2016 تم إطلاق الشرارة الأولى لحملة العلاقات العامة لرؤية 2030 في مؤتمر صحافي بالرياض، تمت الإجابة فيه عن أغلب الأسئلة التي تثير الرأي العام في الفترة الحالية، أطلق المؤتمر بحضور إعلامي محلي ودولي ومع وجود التصاميم والخلفيات التي تحمل شعار وهوية الرؤية، وتتلون بألوان المملكة وتدرجات الأخضر والترابي الذي أعطى للرؤية هوية بصرية قوية، فضلاً عن الزخارف الاسلامية. وكان المتحدث الرسمي والوجه السياسي والإعلامي للحملة "القائد الشاب" الذي لا يزال في مقتبل العمل وعنفوان الشباب، ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -علماً أن شباب المملكة يشكلون نسبة 70% من التعداد السكاني- خياراً صائباً لشخصية شبابية طموحة تتحدث بلغة وأحلام الجيل القادم، وخصوصاً في فترة الثورات التقنية ومطالبات الشفافية، كما تم تمهيد ظهور الأمير الشاب كممثل للحملة من خلال العديد من المعلومات التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص تويتر، واتس آب، وسناب شات، التي تعد الوسائل الأكثر استخداماً ورواجاً في التواصل الاجتماعي في المملكة، إذ نُسجت الرسائل التي تتحدث عن شخصية شبابية طموحة تفهم النسبة الأكبر من المجتمع وتحلم وتطمح لمجتمع يقارب أحلام الشباب السعودي متحدثاً بلغة مشاكلهم وآمالهم، وكان ظهوره الأول ظهوراً مرتقباً يغذي فضول المجتمع بمعرفة هذه الشخصية القيادية الجديدة عن كثب. المحاور الثلاثية للحملة تمحورت الرؤية الجديدة حول ثلاثة محاور رئيسية اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح، وحيث إن الرقم ثلاثة يعد الأقوى في لغة التواصل لصياغة الرسائل التي يرغب أصحاب الحملات بإيصالها فقد كانت الصياغة للمحاور شاملة ولكنها تلامس رغبات كامنة عند المجتمع وترسم تطلعات كانت أحلام غير قابلة للتحقيق فيما مضى. ناقشت في المحور الأول بعض القضايا الاقتصادية ومن أهمها رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، والتخلص من "حالة إدمان نفطية" عطلت تنمية القطاعات الأخرى على حد قول الأمير محمد بن سلمان، وتقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية من المرتبة 49 إلى 25 عالمياً، ورقم 1 إقليمياً، وتقول وكالة "بلومبيرغ" الأميركية إن الأمير محمد بن سلمان يقود حالياً أكبر عملية تغيير اقتصادي تشهدها المملكة، وهو التغيير الذي سيؤدي بالبلاد إلى تنويع اقتصادي يُنهي الاعتماد على النفط، ويُدر عوائد إضافية غير نفطية على المملكة تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020، كما أشارت إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادي الأعمال في المملكة وهو الهم الاقتصادي الجديد الذي يشغل بال الشباب اليوم. وفيما يتعلق بالمجتمع تستهدف "رؤية السعودية" مجتمعا حيويا بنيانه متين، عبر زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاماً، كما تستهدف "رؤية السعودية" زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من ثمانية ملايين إلى 30 مليون معتمر والذي يعد أحد ابرز تطلعات الدول الاسلامية من حكومة المملكة، ومعالجة مشاكل البطالة التي تعد الشاغل الأول لخريجي وطلبة الجامعات اليوم. أما المحور الثالث فهو "وطن طموح"، الذي يتضمن بعض الأهداف من بينها رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1% إلى 5%، ورفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6% إلى 10%. وفيما يتعلق بالحكومة تستهدف "رؤية السعودية" الوصول من المركز 36 إلى المراكز الخمس الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، والوصول من المركز 80 إلى المركز 20 في مؤشر فاعلية الحكومة، وتلامس هذه التطلعات أبرز القضايا التي تهم الشباب من حيث بناء وطن طموح وفرص واعدة لحياة ذات رفاهية ومستوى معيشي أفضل، فضلاً عن أنها ناقشت المحاور دعم الترفيه والثقافة والكثير من زوايا اهتمامات الشباب اليوم لملامح جديدة للمجتمع السعودي. وسائل وأدوات تفعيل الحملة استخدم في تعزيز رسائل هذه الرؤية جميع وسائل التواصل الممكنة بطريقة مكثفة تكاد تجعل الأغلبية اليوم في المملكة، تتحدث وتتطلع بلغة وأهداف رؤية 2030، ما يدل على وصول هذه الحملة بشكل فعّال إلى أغلب شرائح المجتمع، والجهات الخارجية المهمة، حيث استخدمت الوسائل البصرية من تصميم لهوية ترسخ في عقل المتلقي، واستخدام للوحات الإعلانية في الطرقات، واستخدام الوسائل التقليدية من إعلام مرئي، مقروء، ومسموع. والنقطة الأذكى في هذه الحملة هي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة عالية وبلغة بسيطة، إذ خصص حساب فعال في تويتر لرؤية 2030 يحمل ذات الهوية ويعزز من تواجد صورة الممثل للحملة الأمير الشاب محمد بن سلمان، وبناء موقع إلكتروني يحوي جميع الروابط ذات الصلة من فيديوات انفوجرافيك تفصل الرؤية إضافة إلى المؤتمر الأول، واللقاء التلفزيوني الذي شد أنظار العالم والشعب السعودي بشكل خاص، إذ لم يعرف بتاريخ العلاقات العامة الداخلية في المملكة التحدث بهذه الشفافية واللغة الشبابية المقاربة لفكر الجيل الحالي من اهتمامات وتطلعات اضافة إلى رؤية سياسة تلمح الى وجود أسلوب قيادي جديد تفاعل معه الشعب بشكل كبير واختيار مفردات عالمية وذات عناوين عريضة تعزز من حجم الرؤية لتجعلها ذات مستوى رفيع وهذه النقطة حافظت على لغة التواصل القديمة حيث اعتادت المملكة بالتحدث على انها قائدة للدول الاسلامية ودول الخليج ولكنها عززتها اليوم على مستوى عالمي، وتم تناقل مقتطفات من اللقاء عبر التويتر وسناب شات ومواقع التواصل الاجتماعي الفعّالة. في اللقاء، ظهر الأمير محمد بن سلمان "المتحدث الرسمي باسم رؤية 2030" بمظهر الشاب السعودي برداء غير متكلف، مستخدماً لغة مباشرة وبحديث أخذ طابع الشفافية، من خلال الاعتراف ببعض الأخطاء السابقة التي مرت على الانظمة الوزارية ورتابة المعاملات الورقية القديمة وكلها أمور بدأ الشعب مؤخراً بالحديث عنها علانية والنقاش حولها بوضوح في الاوساط الاجتماعية والفضاء الرقمي -ولكنها المرة الأولى التي يعرب مسؤول ذا مستوى رفيع عن وجودها-، إضافة إلى سوء إدارة بعض الجهات للميزانيات الحكومية وكذلك الاتكال على مصادر اقتصادية محددة مثل النفط الذي تسبب هبوط سعره في حالة هلع لدى أوساط المجتمع السعودي، ملمحاً إلى تغييرات كثيرة واهمها وجود جهة رقابية تضمن إدارة ومراقبة المشاريع الجديدة بحزم، وهذا مالم يعهده المواطن السعودي وكان من أبرز ما عزز لديه الحماسة والتفاؤل نحو هذه الرؤية الجديدة والإحساس بمصداقية الرؤية وما تصبو إليه. لغة وطموح عصري هذه الخطوات التي تعد تغييرات جذرية لم تعهدها سياسة المملكة من قبل، دفعت صحيفة "واشنطن بوست" لوصف الأمير محمد بن سلمان ب"الأمير الجريء"، إذ أثبت ذلك في خطوته التي تلت كل تلك الحملات التعزيزية عبر وسائل الإعلام المتنوعة لتنتفل نحو الافعال وتصاحبها عيون شبكات الإعلام المتنوعة لتنقل الصورة بلغة علاقات عامة مدروسة واحترافية، حيث في زيارة الأمير إلى الولاياتالمتحدة بدأ في عقد الشراكات مع شركات تقنية وتكنولوجية تعبر عن ملامح العصر الحديث، فأخذت زيارته لوادي السيليكون اهتماماً بالغاً من المجتمع المراقب لهذه الحملة واختياره لمظهر الشاب العصري والعملي الذي بدا في أزيائه والبروتوكول المصاحب لزيارته والذي تم رصده من قبل عدسات المصورين ليعكس الصورة التي ترغب المملكة في إيصالها بشكل متكامل عن هذه الرؤية الجديدة. ويعد وادي السيليكون مرفأ مهما لكثير من الشركات التكنولوجية مثل "فيسبوك"، و"غوغل"، و"أوراكل"، و"إنتل"، وشركة "آي بي إم"، وشركة "أدوبي" للتطبيقات التكنولوجية، وشركة "آبل" للكمبيوتر، وشركة "سيسكو" للحلول التقنية، وشركة "آي باي"، إضافة إلى عدداً من المراكز البحثية العامة. في الختام لا تزال الحملة مستمرة، إذ أن بناءها كان على أسس متينة من خلال اختيار رسائل قوية وموجهة بشكل مدروس للشريحة المستهدفة "الشباب"، وتصميم هوية بصرية وتعزيزها بمواد بصرية إثرائية مثل بيانات الانفوجرافيك التبسيطية للأهداف والخطط، واستخدام الوسائط البصرية المتعددة مثل الفيديو وإتاحته للتداول والنشر عبر قنوات الاعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي، واختيار شخصية شبابية وصياغة لغة معلوماتية متكاملة عن هذه الشخصية لتصبح معروفة وقريبة من الشريحة المستهدفة سواءً في الاهتمامات او الفئة العمرية أو الوعود والطموح والمهارات القيادية. ومن وجهة نظر شخصية تعد هذه الحملة الأكثر شمولاً في تاريخ المملكة المعاصر حيث خاطبت الشعب والمجتمع الخارجي في آن بلغة بصرية ورسائل ذات عناوين بارزة كانت قادرة على مساعدتها على الوصول ووضعها موضع اهتمام سواءً بالقبول أو الاعتراض من هذه الشرائح المستهدفة، كما استفادت بشكل فعّال من وسائل التواصل الحديثة وسخرتها لدعم وصول الحملة لأكثر الفئات.