شكل تعرض الاتحاد والشباب لعدد من العقوبات الدولية على خلفية أحكام قضائية صادرة من الجهات المختصة لدى "الفيفا" صدمة للشارع الرياضي، وزادت من الشكوك حول قدرة الأندية السعودية على الإيفاء بالتزاماتها المالية، في حين لا تزال هناك قضايا مرفوعة ضد عدد من الأندية تسير وفق الإجراءات المتبعة ولم يصدر فيها أحكام، وربما تلقي عقوبات مماثلة. عن هذه الأزمة يقول المحامي والخبير المختص في القانون الرياضي والنزاعات الرياضية امام الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والمحكمة الدولية للتحكيم الرياضي التونسي محمد الركباني: "كثرة القضايا ضد الأندية السعودية في "فيفا" ناتج في الأساس عن تراكمات لقضايا عدة لم يقع حسمها من طرف الأندية، إلى أن وصلت إلى مرحلة العقوبات، وهذا الأمر سببه إهمال بعض إدارات الأندية للقضايا الخارجية وعدم التعامل معها بالجدية المطلوبة، وبحكم عملي توليت سابقاً وكالة من بعض اللاعبين ضد أندية سعودية وكانت الأندية لا تكلف نفسها حتى عناء الرد على مذكراتنا، لكن للأمانة في الفترة الأخيرة أصبحت الأندية السعودية أكثر جدية في التعامل مع الملفات الخارجية وباتت تتابع ملفاتها وتقدم الردود وهذا أمر جيد، لكن من الضروري ألا يقتصر الأمر على فترة معينة، بل على الأندية أن تقوم بتعيين إدارة قانونية مختصة تتولى حل القضايا حتى قبل وصولها أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم". وأضاف: "مشاكل الأندية السعودية مع "فيفا" تقتصر على بعض الأندية وليس جميعها، الأندية تتحمل إداراتها المتعاقبة المسؤولية لأن كل إدارة تمر على النادي تترك ورائها إرثاً وتركة كبيرة من القضايا، وتبدأ تكبر مثل كرة الثلج إلى أن يستفيق الجميع على العقوبات، في المقابل هناك عدة أندية سعودية منظمة ولا نسمع لها أي مشاكل خارجية على غرار الهلال والاهلي والفيصلي وغيرها من الاندية التي لم تصل قضاياها إلى اروقة الاتحاد الدولي، لابد من التمييز بين العقوبات الانضباطية والعقوبات الرياضية، فالانضباطية تصدرها لجنة الانضباط بالاتحاد الدولي التي تعتبر الجهة التنفيذية في فيفا، اي التي تسعى إلى متابعة تنفيذ قرارات مختلف اللجان القضائية، فعندما يصدر قرار من غرفة فض المنازعات أو من لجنة أوضاع اللاعبين مثلاً وبعد منح النادي المهلة القانونية للسداد ويمتنع عن ذلك يتم احالة الملف إلى لجنة الانضباط التي تمنح بدورها النادي أجلاً السداد ومن ثمة تصدر قراراً يتضمن إعلام النادي بمنحه أجلاً أخيراً وفي حالة عدم السداد يتم في البداية حسم نقاط، وهذا ما حصل في ملف الاتحاد المتعلق بحسم النقاط، ولا يقف فيفا عند هذا الحد بل تتدرج العقوبة إلى أن تصل إلى التهبيط في حالة إصرار النادي على عدم دفع المستحقات، بالنسبة للعقوبات الرياضية فقد تم اضافتها بعد تعديل لوائح الفيفا في أبريل 2015م، والغاية الأساسية من هذا التعديل هو منح قرارات غرفة فض المنازعات بالاتحاد الدولي أكثر نجاعة وفاعلية وجعل قرارات الغرفة أكثر صرامة ومن هذا المنطلق منحت اللوائح الجديدة غرفة فض المنازعات صلاحية إيقاع عقوبات تبدأ بالانذار مروراً بالغرامة وتصل إلى حد المنع من التسجيل سواء لفترة أو لفترتين، هذه العقوبات توقعها الغرفة على الأندية التي تكون لديها قضايا عدة في فيفا وتكتشف الغرفة أن هذا النادي لا يمنح متعاقديه مستحقاتهم، فتتولى اصدار عقوبة رياضية يمكن فيما بعد أن تتبعها عقوبة انضباطية اذا أحيل الملف إلى لجنة الانضباط". وحول جدولة المستحقات المالية قال: "الجدولة تتطلب موافقة الطرف الآخر فإذا قبل هذا الأخير الجدولة يتم توقيع اتفاقية بين الطرفين وإرسالها إلى فيفا التي تتولى مخاطبة اللاعب أو المدرب للتأكد من حصول هذا الاتفاق ومن ثمة يقع إيقاف النظر في القضية إلى حين إتمام جميع شروط الجدولة، ويتم بعدها غلق الملف، وميزة الجدولة أن الملف لا يحال إلى لجنة الانضباط الا اذا تقاعس النادي عن تنفيذ بنود الجدولة وهنا يمكن أن يتحمل مصاريف إضافية وغرامات تأخير". المشكلة إدارية ويذهب المتخصص بالتسويق والإدارة الرياضية يوسف الرشيد إلى أن المشكلة إدارية صرفة، ويقول: "إدارات الأندية في الغالب تفتقد للحصافة والحكمة في التعامل مع الأمور المالية، والمشكلات المالية موجودة منذ سنوات عدة وليست وليدة السنة الحالية والتعامل مع هذه الأزمات يحتاج لإدارة واعية وحصافة وأشخاص قادرين على الصرف بذكاء وتغطية الالتزامات وفقاً للإيرادات، من المؤكد أن زيادة الأعباء المالية ستنتهي إلى أزمة مالية، الظروف الاقتصادية طبيعية ولكن الإدارة الناجحة هي من تتوقع وتتنبأ بالمشكلات الاقتصادية وتتوقع الإيرادات والتدفقات المالية والقدرة على تغطية الالتزامات في الوقت المحدد، والأهم هو التفكير بزيادة الموارد في ظل الظروف الاقتصادية وعدم الاعتماد على مصادر محددة، وجود إدارات متخصصة بالاستثمار والتسويق الرياضي يساعد الأندية في زيادة الإيرادات من خلال تقديم برامج تسويقية مبتكرة تساهم في تغطية الالتزامات الآنية والمستقبلية". وتابع: "بالنسبة للمواءمة بين المطالب الجماهيرية بإبرام التعاقدات والظروف المالية وضعف الإيرادات، يمكن أن نأخذ نادي الاتحاد كمثال إذ إن ما تفعله الإدارة الاتحادية من تعامل بشفافية مطلقة يساهم في خفض سقف التوقعات والطموحات على مستوى التعاقدات وتحمل أعباء مالية إضافية، الجماهير ستقف في صف النادي وإدارته ولن تبحث عن نتائج وقتية، خذ مثلاً إدارة الهلال برئاسة الأمير نواف بن سعد في موسمها الأول حين وضعت سداد الديون كأولوية بالتزامن مع الحصول على مداخيل إضافية عبر عقود تسويقية جديدة، لذلك في الموسم الحالي ارتفع سقف الطموحات بعدما نجحت الإدارة في تقليل آثار المشكلات المالية، الأهم في الفترة الحالية هو إعادة ترتيب الأولويات ومكاشفة الجماهير بشجاعة بشفافية، فنجاح الإدارة في تحقيق أولوياتها لن يمر إلا من خلال خفض الضغوطات وسقف التوقعات بالنسبة للجماهير". ويرى أن الاعتماد على الأفراد في دعم الأندية بدأ بالتراجع، وربما يكون جزءاً من الماضي مع تسارع الخطوات لتنفيذ تخصيص الأندية الرياضية، مضيفاً: "هبات الشرفيين أصبحت أقل من السابق وهذا متوقع في ظل التوجه نحو التخصيص، يجب ألا نغفل أن حوالي 70 بالمائة من إيرادات الأندية وخصوصاً الكبيرة مصدره دعم الشرفيين ولا ينبغي أن تخسر الأندية هذا الدعم ريثما يكتمل مشروع التخصيص، وهيئة الرياضة مطالبة بتسريع العمل في برامج التخصيص حتى لا تتأثر الأندية". واختتم: "بشكل عام غياب الرقابة المالية الصارمة وتغييب دور الجمعية العمومية تسبب بوجود هذه المشكلات المالية التي تسيء لسمعة الرياضة السعودية، مثلاً تراكم القضايا على نادي الاتحاد تسبب في إيقاع عقوبات مغلظة عليه بسبب معاناته من عدم الاستقرار الإداري ووجود إدارة جديدة بين كل فترة قصيرة وأخرى، بالإضافة لوجود إدارات مكلفة لا يتم تحميلها أي أخطاء ومشاكل مالية بسبب التكليف، وفي المقابل فإن توجه الهيئة العامة للرياضة من خلال فرض قوانين وأنظمة تتعلق بالحوكمة والتعامل مع المشكلات المالية أمر رائع ويعكس الاهتمام والاعتراف بوجود مشكلة حقيقية وبحث أسبابها وعلاجها، لكن أكبر ما تحتاجه الأندية حالياً هو تطبيق الأنظمة والضوابط على الكل، إذ لن يتم تصحيح المسار الرياضي والمالي إلا بفرض القوانين وتطبيقها على الجميع محلياً قبل أن تتطور القضايا وتصبح على الصعيد الخارجي، يجب أيضاً سن قوانين تمنع حدوث الأزمات مثل منع الأندية من صرف أموال أو إبرام تعاقدات تفوق قدراتها وإيراداتها مثلما هو مطبق في الاتحاد الأوروبي من خلال اللعب المالي النظيف الذي دفع الأندية للبحث عن موارد وساهم في إنعاش الاستثمار الرياضي وقلص من حجم الديون والمشكلات المالية". لجنة الاحتراف مسؤولة قال نائب رئيس الشباب سابقا الدكتور فهد القريني: "اسباب قضايا انديتنا في "فيفا" ليس وليد اللحظة، وعلى رأسها لائحة الاحتراف التي طبقت في بداية الاحتراف وكانت فيها ثغرات عديدة مكنت عدداً من وكلاء اللاعبين الى استغلال تلك الثغرات ورفع أسعار عقود اللاعبين، ودخول عدد من رجال الأعمال الى الوسط الرياضي من دون أن يكون لديهم خلفية رياضية جيدة، وجاء دخولهم من أجل التنافس على الظهور الإعلامي واكتساب شهرة عن طريق الوسط الرياضي كونه اسرع طريق للشهرة، بدأ التنافس بين هؤلاء للفوز بالأضواء وكان ذلك عن طريق المزايدة في أسعار عقود اللاعبين بالمصطلح المتداول بينهم "دق خشوم" حتى يكسب الواحد منهم شعبية كبيرة جداً في الرياضة، وبرأيي قاصمة الظهر لأنديتنا هو إلغاء المادة 18 من لائحة الاحتراف القديمة، وهو ماتسبب في ارتفاع اسعار اللاعبين بشكل جنوني ووصولها الى ارقام قياسية تسببت في الأزمات المالية لكثير من الأندية، حتى انتهى بها المطاف في اللجان القضائية المحلية والدولية". واضاف: "الجمعيات العمومية للأندية معطلة ولا تقوم بدورها الرقابي، لذلك رؤساء الأندية استغلوا الفرصة في اتخاذ القرارات بدون حسيب ولا رقيب، وبات الرئيس هو المشرع والرقيب، ويتخذ القرارات بمفرده وفي معظمها قرارات خاطئة لا تصب في مصلحة النادي، وهو ما حمل انديتنا في الأونة الأخيرة أعباء مالية، لا يوجد رقيب ولا محاسبة ولا شفافية في الأندية السعودية، برأيي ان التغييرات التي حدثت مؤخراً في فيفا من محاربة للفاسد وتغيير الرئيس والانظمة ساهمت في تشديد الرقابة على الاتحادات الرياضية من قبل الاتحاد الحالي، لذلك اصبحنا نسمع عن قضايا وعقوبات تصدر تجاه بعض الاتحادات وهي التي لم تكن موجودة في وقت سابق، ونستطيع القول إن الرقابة زادت على الاتحادات المحلية، اندتينا في الفترة المقبلة معرضة لعقوبات دولية، فأغلبها لديها مشاكل مع لاعبين اجانب ومدربين ووكلاء اعمال، لذلك على انديتنا المسارعة في إيجاد حلول لقضاياها حتى لا تتعرض لعقوبات قد تصل للتهبيط.. اتحاد القدم ومسؤولو الأندية مطالبون بحل القضايا في أسرع وقت حتى نتجنب العقوبات". محمد الركباني الركباني: الأندية مهملة وقرارات «المنازعات» صارمة يوسف الرشيد الرشيد: عاقبوا المتعثرين محلياً قبل تدخل «الفيفا» فهد القريني القريني: الباحثون عن الشهرة وراء الأزمات المالية