ينبغي مع الترفيه مراعاة المجتمع وتوجهه، والأخذ بيده رويداً رويداً حتى يتقبل المبدأ، ولا يستنكره، خاصة في ظل فكر يرى أي ترفيه لهواً محرماً، ويصنف الدنيا في دائرة المحرمات، ويكثر من التزهيد فيها، والتحذير منها.. يتجاذب طرفان الأحقية في توجيه المجتمع بين من يريده مجتمعا ملائكيا لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون مايؤمرون، متفرغا للعبادة، يقرب حاله إن لم يكن رهبانيا بحتا. وبين من يريده مجتمعا إبليسيا، لا يرى للآخرة قدرا، يعيش في غمرة، وقلوبهم في غفلة، قد غرتهم الحياة الدنيا، وغرهم بالله الغرور، يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير! والحق التوسط بينهما، وإعطاء الناس بشريتهم الكاملة، وما يراد منهم من خالقهم ورازقهم، وهو الذي يعلم أنهم قد جبلوا على محبة اللهو واللعب، وأنهم لا بد أن يذنبوا، ولو لم يذنبوا لذهب بهم، وجاء بغيرهم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. فمحاولة جعل المجتمع ملائكيا مخالفة للفطرة، ومجانبة للجبلة، وبعيدة عن الواقع. كما أن محاولة جذبه إلى شاطئ اللهو واللعب والغفلة عن الغاية من خلقهم، والبعد عن دينهم بعيدة النجعة، وليست من العقل بمكان. والواجب على من ولاه الله تعالى مسؤولية اجتماعية، أن يراعي ذلك، فيقنن ما يفيد أولا، في دين أو دنيا، ويبتعد بهم عن اللغو، وقد قال العلماء إن اللغو هو ما لا يفيد في دين أو دنيا! وباب المباحات واسع جدا، وفيه من المفيد الممتع الشيء الكثير، وليس في الترفيه المباح حرج، بل هو مطلوب ومشروع، وقد لعب الحبشة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، وجعل زوجه الصديقة رضي الله عنها تنظر إليهم، وأذن لها أن تغنيها الجاريتان في يوم العيد، حتى قال البخاري في تبويبه : باب سنة العيدين لأهل الإسلام. فأصل الترفيه مباح أو مشروع، ولكن ينبغي معه مراعاة المجتمع وتوجهه، والأخذ بيده رويدا رويدا حتى يتقبل المبدأ، ولا يستنكره، خاصة في ظل فكر يرى أي ترفيه لهوا محرما، ويصنف الدنيا في دائرة المحرمات، ويكثر من التزهيد فيها، والتحذير منها. والناظر في القرآن والسنة لا يجد فيهما ما يحذر من الدنيا لذاتها، وإنما التجذير من الاغترار بزخرفها والركون إلى زينتها، والغفلة بها عن الدار الآخرة، وإلا فالدنيا مزرعة الآخرة، وكم في القرآن من حث على حسن استغلالها والعمل فيها بما يعتبر زادا للآخرة، وليس الزاد محصورا في العبادة المحضة، بل هو كل ما ينفع المسلمين، وينشر الإسلام وقيمه، ومن هنا جاء الحث على إتقان العمل، وحب الله لمن يفعل ذلك. وفي السنة أن الساعة لو قامت وفي يد المرء فسيلة فليسابق قيامها حتى لو استطاع أن يغرسها قبل قيام الساعة فليغرسها. وهذا واضح الدلالة في أن العمل هنا وهو الزراعة قربة وغاية بحد ذاته، وإلا فالنتيجة واضحة، فليس ثمة وقت للنتاج، ولا للاستفادة من ذلك الغرس سوى التقرب إلى الله بالغرس. والترفيه قد يكون غرسا لتقويم الخلق والنفع في الدين أو في الدنيا، كالمسابقة والمصارعة، وقد ثبتت في ذلك سنته صلى الله عليه وآله، حيث سابق عائشة، وصارع ركانة، ونص على السبق في النصل والحافر. وليس الترفيه بحديث عهد بالمجتمع، فالمسرح وإن كان على محدودية عمل كان موجودا وغير ذلك مما يدخل في الترفيه مثل مهرجان الجنادرية، ومباريات الكرة، وسباقات الفروسية. ولعل المسألة تحتاج إلى مزيد بسط وإسهاب، ولعل الله أن ييسر ذلك مستقبلا، هذا والله من وراء القصد.