شهد العام 2015 عدداً من الأحداث والفعاليات والاتفاقات العالمية البارزة التي ركزت على قضية التغير المناخي بهدف المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، وبالاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة والتقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وبهدف تخفيض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون ما يساعد على خفض درجة حرارة الأرض. ولعل قمة المناخ 2015 في باريس كانت المحطة الأبرز في الجهود العالمية التي سعت لتحقيق هذه الأهداف، حيث جمعت رؤساء وملوك وقادة العالم بهدف بحث سبل مكافحة آثار التغير المناخي، والتوصل إلى اتفاق دولي جديد يشكل إطاراً عالمياً من شأنه تنسيق الجهود الهادفة للحد من تداعيات تغير المناخ بيئياً واقتصادياً. المغرب توظف الطاقة الشمسية في تغطية وإنتاج 42% من احتياجات الطاقة بحلول العام 2020 ونستعرض هنا بعض النماذج الرائدة ومبادرات الدول التي أطلقت مبادرات واستراتيجيات طموحة تستهدف التواؤم مع متطلبات قمة المناخ 2015 في باريس والتعاطي مع قضية التغير المناخي بصورة إيجابية، مع تحقيق مكتبسات تنموية واقتصادية وعمرانية مستدامة. النموذج الإماراتي دشن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مجمع "محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية" في يناير 2012 في منطقة سيح الدحل، ويعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم في موقع واحد يعمل وفق نظام المنتج المستقل، حيث يمتد المجمع على مساحة 85 كيلومتر مربع، ويستهدف إنتاج 1,000 ميجاواط بحلول عام 2020، و5,000 ميجاواط بحلول عام 2050، وباستثمارات إجمالية تصل إلى 50 مليار درهم. ومن المتوقع أن يسهم المجمع عند اكتماله في تحفيض أكثر من 6.5 مليون طن متري من الانبعاثات الكربونية سنوياً. وبعد عام واحد من تدشين المجمع، تم بنجاح استكمال المرحلة الأولى من المشروع، وبقدرة إنتاجية تصل إلى 13 ميجاواط. وتم بعد ذلك تدشين المرحلة الثانية من المشروع بقدرة إنتاجية 200 ميجاوات من خلال محطة "شعاع للطاقة" بالتعاون والشراكة مع تحالف قادته شركة أكوا باور، الشركة السعودية الرائدة في قطاع توليد الكهرباء وتحلية المياه، وبقيمة استثمارية وصلت إلى 1,222 مليار ريال سعودي. ويعد مشروع "شعاع للطاقة" أكبر مشروع من نوعه في مجال الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المنطقة، وقدم أقل سعر تعرفة للطاقة الشمسية المنتجة في العالم بقيمة 21 هللة، مسجلاً رقماً قياسياً في مدة إنجازه لم تتجاوز 360 يوماً، وهي مدة أقل من المتعاقد عليها، وباتباع أعلى معايير السلامة والصحة والبيئة العالمية، علاوة على رقم قياسي آخر تمثل في مليون ونصف ساعة عمل آمنة وبدون تسجيل حالة إصابة واحدة. وسوف تقلل محطة "شعاع للطاقة" الانبعاثات الكربونية بمعدل 214 ألف طن متري سنوياً. فمع إطلاقه بالشراكة بين "هيئة كهرباء ومياه دبي" وشركة "أكوا باور"، جاء مشروع "شعاع للطاقة" كأول نموذج للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في دبي في قطاع الطاقة، وليثبت نجاح وفعالية نموذج الشراكة بين القطاع العام مع القطاع الخاص في تلبية متطلبات المشروعات والبرامج الكبيرة والطموحة في قطاع الطاقة. جنوب أفريقيا الأعلى تنافسية في مشروعات الطاقة النظيفة في القارة السمراء ويحظي مجمع "محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية" منذ الإعلان عنه إنشائه باهتمام كبير من جانب قطاع الأعمال والطاقة، إقليمياً وعالمياً، حيث تتلقى هيئة "كهرباء ومياه ودبي"، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذه، فرصاً استثمارية عديدة من جهات عالمية تعمل في هذا المجال الحيوي، ما يعكس ثقة واهتمام المستثمرين في الاستثمار في مثل هذه المشروعات الضخمة. ومع وجود الأطر التنظيمية والتشريعية القائمة في دبي والتي تسمح بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات إنتاج الطاقة في إمارة دبي، يبدي العديد من المطورين العالميين رغبتهم بالاستثمار في تطوير وتنفيذ مشروعات المجمع. كما يساهم المجمع في خلق فرص واعدة على مختلف الأصعدة، خاصة وأنه يضم عدداً من المرافق على أعلى مستوى من المعايير العالمية، وتشمل مختبراً للألواح الكهروضوئية بهدف دراسة الألواح وتقييم أدائها واختبار موثوقيتها على المدى الطويل في الظروف المناخية المحلية، والتعاون مع المؤسسات العالمية في تقنيات الحد من آثار الغبار على معدات الطاقة الكهروضوئية. وستشكل الاختبارات التي يتم إجراؤها خط أساس لتطوير مواصفات ومعايير معدات الطاقة الكهروضوئية. وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه الأول من نوعه في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى في قدرته الإنتاجية إذ إنه باكورة مشروعات واعدة لاستخدام الطاقات المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية في إمارة دبي. ويبرز المشروع زيادة الطلب في قطاع الطاقة الشمسية على تبني أحدث التقنيات المتوافرة في الأسواق العالمية التي تمكن الاستراتيجيات والخطط بعيد المدى من تحقيقها أهدافها الخاصة بتنويع مزيج الطاقة، وزيادة العائد الاستثماري من مشروعات الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية، كل هذا وصولاً إلى دعم خطط التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة من التلوث. النموذج المغربي تعتبر المغرب أكبر مستورد للطاقة في شمال أفريقيا، وتبذل جهوداً مركزة للحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد. وتعتبر الطاقة المتجددة الحل الذي اعتمدته في خططها واستراتيجياتها على المدى المتوسط والطويل، وهو ما دفع بها إلى إطلاق مصدر موثوق في بلد مثل المغرب العربي التي لديها الاعتماد الكامل تقريبا على شركات الطاقة المستوردة. تنفق المغرب سنويا أكثر من ثلاثة مليارات دولار على واردات الوقود والكهرباء، في حين أنها تشهد نمواً متزايداً في الطلب على الطاقة بمعدل 6.5 في المئة سنوياً. ويخطط المغرب لاستثمار 13 مليار دولار للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة لزيادة نسبتها في مزيج الطاقة بمعدل 42٪ بحلول عام 2020. وتطمح المملكة المغربية التي تستورد 94% من احتياجاتها من الطاقة إلى توظيف الطاقة الشمسية في تغطية وإنتاج 42% من هذه الاحتياجات بحلول العام 2020. يشكل إطلاق المشروع المغربي للطاقة الشمسية من خلال "المخطط المغربي للطاقة الشمسية" بمنطقة ورزازات بداية جيل جديد من المشروعات التنموية المستدامة التي تسعى من خلالها الحكومة المغربية إلى تنويع مزيج الطاقة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مصادر الطاقة البديلة اقتصادياً وبيئياً. ويشمل المشروع المغربي للطاقة الشمسية إنجاز خمس محطات لإنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية، في كل من "ورزازات" و"عين بني مطهر" و"فم الواد" و"بوجدور" وسبخت الطاح، بتكلفة مالية تصل إلى تسعة مليارات دولار أميركي، مما سيمكن المغرب من إنتاج حوالي 2000 ميغاواط من الكهرباء، وذلك بحلول عام 2020. هذا المشروع سيمكن من الوصول إلى طاقة إنتاجية من الكهرباء تناهز 4500 جيجاواط سنوياً، أي ما يعادل 18 بالمئة من الناتج المغربي الحالي. وأطلق المغرب أحد أكبر وأكثر الخطط طموحاً في القارة الإفريقية في مجال الطاقة الشمسية في العالم باستثمارات قدرها تسعة مليارات دولار أميركي. وتعتبر خطة الطاقة الشمسية المغربية علامة فارقة على طريق التنمية المغربية نحو إمدادات طاقة آمنة ومستدامة وأيضاً نظيفة وخضراء وبتكلفة اقتصادية معقولة، حيث تهدف والهدف من هذه الخطة هو توليد 2000 ميجاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام 2020. وتبلغ مساحة مجمع نور نحو 4.5 مليون متر مربع٫ وهو أكبر مجمع من نوعه عالمياً لإنتاج 510 ميجاواط من الطاقة الشمسية. وتقدم مشروعات الطاقة الشمسية في المغرب نموذجاً سباقاً ورائداً في مجال الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين الخاص والعام في قطاع الطاقة الشمسية، خاصة من حيث الإسهام بفعالية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تستهدف تلبية الاحتياجات التنموية في المغرب حالياً ومستقبلاً. وإلى جانب كونها المحطة الأكبر في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية، يأتي مشروع محطة "نور 1" ليحقق عدة انجازات اقتصادية واجتماعية وبيئية متنوعة. فعلى المستوى البيئي، توفر "محطة نور1" استهلاكها من الطاقة الأحفورية بمقدار مليون طن من النفط سنوياً، إلى جانب قدرتها على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3.7 ملايين طن سنوياً.. ويأتي على رأس عوامل نجاح التجربة المغربية في مجال الطاقة الشمسية، وضوح التشريعات والسياسات المنظمة للقطاع، ما يمكن الشركات العاملة في قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء من تأدية مهامها وتنفيذ مشروعاتها بسلاسة وكفاءة، وعلى النحو الذي يخدم مصالح مشغلي مرافق الكهرباء والشركات المستثمرة العاملة في القطاع، وسط بيئة تنافسية مشجعة للمستثمرين المحليين والأجانب. كما ساعد وجود جهة واحدة مسؤولة عن تنظيم القطاع وتحديد أولوياته وأهدافه وسياساته العامة على تنفيذ المشروع وفق الاحتياجات والأهداف التي حددتها الاستراتيجية العامة لخطة الطاقة الشمسية التي تعمل الحكومة المغربية على تنفيذها والانتهاء منها بحلول العام 2020. من جانب آخر، تعد المغرب الدولة الأفريقية الوحيدة التي لديها شبكة كابلات للطاقة تربطها بالقارة الأوربية، وهذا الأمر سيلعب دوراً رئيسياً في خطة الطاقة الشمسية لمنطقة حوض البحر المتوسط والمعروفة بمبادرة "ديزيرتيك الصناعية"، والتي التي تهدف إلى بناء محطات الطاقة الشمسية لتزويد الطاقة المتجددة من منطقة الشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية باستخدام كابلات الجهد العالي ذات التيار المباشر (HVDC). نموذج جنوب أفريقيا ضربت جنوب أفريقيا مثلاً في مجال الاستفادة من الطاقة المتجددة، إذ وضعت في عام 2011 إجراءات تتميز بالشفافية للمناقصة على مشروعات الطاقة المتجددة تحت مسمى "برنامج شراء الطاقة المتجددة المنتَجة بمنظومة المحطات المستقلة. وقد أسفر البرنامج عن استثمارات من القطاع الخاص تتجاوز 14 مليار دولار أميركي؛ لإنتاج 6327 ميجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. حينما أصدرت جنوب أفريقيا أول طلب لتقديم عرض عام 2011، خططت لإنتاج مزيج طاقة متجددة بسعة 3725 ميجاواط على مدى خمس مراحل، وساهمت متطلبات التنمية المستدامة الصارمة التي اتبعتها البلاد في تحقيق قفزة نوعية لقطاع الطاقة المتجددة عزز من عوامل وفرص جذب الاستثمار الأجنبي، إلى جانب تعزيز قدرات وخبرات قطاع الطاقة في جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من استحواذ المغرب على أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم وسعيه إلى توفير 42 في المئة من احتياجاته للطاقة بالاعتماد على الطاقات المتجددة، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من تجاوز جنوب إفريقيا في مؤشر الاستثمار في الطاقة المتجددة الصادر عن المؤسسة المالية، المتخصصة في تقديم الاستشارات المالية للراغبين في الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، حيث تفوقت جنوب إفريقيا على المغرب في هذا المؤشر، فسرته المؤسسة المالية بعدد من العوامل التي رأت فيها نقاط قوة لهذا البلد الإفريقي، منها أن النظام المعتمد من طرف جنوب إفريقيا في إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة يعد متطوراً جداً، كما أن أسعار وتكاليف إقامة هذه المشروعات تبقى الأكثر تنافسية في القارة السمراء. المؤشر تحدث كذلك عن كون جنوب إفريقيا تعد أكبر سوق في القارة الإفريقية من حيث حجم استهلاك الطاقة ولم تبلغ مرحلة الإشباع بعد. محطة نور 1 ورزازات المغرب (2) محطة نور 1 ورزازات المغرب نور 1