الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة. هذه المعلومة عرفها الإنسان منذ زمن بعيد، وإن كان من جانب واحد وهو أن الكتلة قد تتحول إلى طاقة. فهذا أمر معروف منذ أن اكتشف الإنسان أن بعض التفاعلات في المادة قد تؤدي إلى «اختفاء» المادة كلها أو بعضها متحولة إلى طاقة حرارية، وخصوصا في التفاعلات الكيميائية. ولكن هذا التحول (من كتلة إلى طاقة) ما هو إلا نصف الحكاية. فقد تنبأت الفيزياء بأن الطاقة قد تتحول إلى كتلة منذ نحو مئة سنة! وقننت تلك العلاقة بين الطاقة والكتلة في معادلة آينشتاين الشهيرة التي تقول إن «الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء». والمقصود أن أي كتلة حتى لو كانت لجسيم أولي لا يتجزأ لجسيمات أصغر منه، فإنها تحوي بداخلها طاقة نسميها «طاقة السكون». يُحكى في أدبيات الفيزياء أن آينشتاين أخطأ عدة مرات في محاولة إثبات هذه المعادلة المهمة، وإن كانت تعد من أهم تبعات النظرية الخاصة للنسبية. ولكنه أدرك تماما أنها معادلة تحوي خطورة فقد كانت مصدر إلهام البرنامج النووي النازي الذي حذر آينشتاين الرئيس الأميركي روزفلت منه. الكتلة تتحول إلى طاقة هي حقيقة أدت إلى استخدام الطاقة الموجودة في نواة الذرة في خلق أسلحة نووية ومفاعلات سلمية تُنتج الطاقة التي تخدم الإنسان. وعودا إلى معادلة آينشتاين الخطرة، فإن هذه المعادلة تخبرنا بأننا قادرون على تكوين مادة جديدة (كتلة) من الطاقة. مثلا، لو أعطينا للضوء - وهو عديم الكتلة - طاقة كافية فإنه يمكن أن يختفي متحولا إلى جسيمات أولية لها كتلة! وهذا ما يحصل في تجارب فيزياء الطاقة العالية، وإن كانت معظم الكتل الناتجة هي كتل غير مستقرة وتتحلل بعد أجزاء صغيرة جدا من الثانية متحولة إلى طاقة من جديد. مع ذلك، فقد تمكن الإنسان باستخدام تقنيات الطاقة العالية من خلق ذرة هيدروجين مضادة (حدثتكم عن المادة المضادة في مقال سابق) وأبقاها مستقرة تحت ظروف خاصة لبضع دقائق. ولا ندري ماذا يخفي لنا المستقبل من منجزات في هذا السياق. معادلة تكافؤ المادة والطاقة هي من أعمق ما توصل إليه الإنسان من علم. وتطبيقاتها والتخيلات المصاحبة لها لا تنتهي. وفوائد تطبيقاتها كثيرة، كما أن خطورتها عظيمة لأنها تنتج القنابل النووية، وربما في يوم من الأيام تقود إلى أسلحة من المادة المضادة التي يتم خلقها من تجارب الطاقة العالية.